اختيار الناقد الكبير كمال رمزى لرئاسة المهرجان القومى للسينما ليس مجرد خبر استقبلته على شاشة تليفونى المحمول، ولكنه نفحة عطر استقبلتها على شاشة الروح المكدودة المنهكة المجهدة من غبار المعارك الصحفية، استقبلته بزهو أنه الصديق، وفرحة أنه المستحق وبجدارة. كمال رمزى شاعر يرتدى نظارة الناقد السينمائى، وعاشق سينما تتلبسه روح نيرودا ولوركا ونزار ومحمود درويش، لغته منحوتة بأزميل مايكل أنجلو وملونة بريشة فان جوخ، أحس كثيراً بالغيرة من رشاقة عباراته التى أراها محلقة على سطور الجريدة أو المجلة كأجنحة فراشة تستعصى على التقليد أو الاستنساخ، عليها بصمته وختمه الخاص، صنع فى معمل كمال رمزى الخاص الذى لا يفتح إلا بباسوورد لا يفك شفرته إلا هو، موجز ومقتصد من دون تسطيح، عميق ونافذ من دون تقعير، أحياناً تظنه يكتب كحكيم بوذى متأمل، وأحياناً تلمس وجهك إيقاعاته الكريشندو كراقص يعانق السحاب، حتى صوته المميز وهو يحكى أو يسرد أو حتى ينفعل بإيقاع موسيقى فريد، يمثل إنصاتى له متعة خاصة ومتفردة. باختصار أنا أحب الإنسان والفنان والشاعر والناقد كمال رمزى، ومن الممكن أن أكتب مجلداً عن إضافات وإسهامات هذا الرجل للفن السابع، لكننى أريد فى هذه المساحة أن أعرفكم على زاوية جديدة له، فهو واحد من أجمل من كتبوا البورتريه الإنسانى، بنفس وعبق وروح يحيى حقى وخيرى شلبى فى صياغة هذا الفن النادر، اسمعوه -مثلاً- وهو يقول واصفاً محمود مرسى: «المفروض أن يكون عنوان هذا المقال (الغابة)، ذلك أن محمود مرسى بغموضه ورهبته.. وسحره.. بكثافته واستقلاله وطابعه الخاص يذكرك بالغابة، فهو عالم كامل، مبهم ومثير، وقد يبدو ساكناً من الخارج، لكن ما إن تتوغل فى أحراشه حتى تجد أشكالاً وألواناً من الأشجار والكائنات، بعضها مسالم هادئ أليف.. وطيب ولطيف، وبعضها الآخر عدوانى، وحشى الطباع.. بالغ الشراسة.. مفترس.. يثير الهلع والرعب فى النفس». واقرأوه وهو يصف السندريلا سعاد حسنى قائلاً «وجهٌ صافٍ بقدر ما هو جميل، متسق التقاطيع، جماله ليس من النوع الطاغى الذى يسدل ستاراً سميكاً بينك وبين صاحبته، ويخلف إحساساً بأنها بعيدة، قادمة من عالم آخر، ولكنه جمال أليف، تأنس له، تشعر أن صاحبته قريبة منك، قرب الأخت أو ابنة الخال أو الزميلة أو الجارة، وهو وجه شفاف، يعبر ببساطة عن أدق الانفعالات، بألوانها ودرجاتها المختلفة والمتباينة، فالعينان الواضحتان، الصادقتان، تكشفان بوضوح عما يعتمل فى روحها، فإذا ابتهجت فإن أشعة الفرح تنفذ إلى قلبك، وإذا حزنت فإن غيوم الكدر تصبح ملموسة أمامك. وهى، تنتقل من انفعال لانفعال، على نحو سلس، لا أثر فيه للصنعة أو التزيد، تلقائية إلى آخر الحدود، مع انضباط حاسم. تقنعك فى صمتها.. وإذا تكلمت، فإن صوتها يجسد بنبراته أدق خلجاتها». كمال رمزى وشم إنسانى متفرد نفذ من مسام البشرة إلى عمق الروح، أدعو له بالتوفيق ودوام الصحة والعافية والسعادة.