فقد المفكر فرج فودة حياته فى معركة التنوير، فهل سيفقد تراثه وفكره وكتبه أيضاً؟!، هل دُفنت كتبه معه؟، أين الجناح أو الناشر فى معرض الكتاب الذى نستطيع شراء نسخ جديدة منه لفرج فودة؟، لا يوجد للأسف، لكى يصل «فودة» أثناء حياته إلى القارئ، اضطر لطباعة معظم كتبه فى دور نشر غير مشهورة، أو على حسابه الشخصى، معظم هذه الدور أغلق أبوابه، ولا توجد عقود لمعظم تلك المؤلفات، لأن «فودة» كان يعرف أن حياته قصيرة، وليس أمامه إلا السباق مع الزمن وإصدار تلك الكتب بسرعة قبل الرحيل، ليس لدينا إلا رصيد مشوش من عدة ندوات مسجّلة ونسخ من كتبه مستباحة للحذف والإضافة من قراصنة الكتب، لماذا لا تتصدى هيئة الكتاب كمركز التصنيع الثقافى الثقيل فى مصر لتلك المهمة التنويرية الجليلة؟ وأعتقد أن «سمر»، ابنة الشهيد فرج فودة، لن تمانع فى إعادة طباعة أعماله، مؤلفات فرج فودة ليست مجرد سطور بين دفتى كتاب، بل هى معارك على الأرض سُطرت بحبر وانتهت بدم، دفع حياته ثمناً لفاشية أكلت الأخضر واليابس. كان «فودة» هو زرقاء اليمامة فى مجتمع أعمى، كان قد فتح للإخوان ذراعيه وقتها، مجتمع أصر على السير فى طريق الندامة إلى الهاوية لولا ٣٠ يونيو، مجتمع كانت قد تضخّمت فيه الغدة الوهابية حتى سدت مجرى التنفس تماماً، فأصيب بإسفكسيا التطرف والتزمت. مشروع إعادة طباعة كتب فرج فودة هو مشروع وطن قبل أن يكون مشروع دار نشر، إنها إعادة شحن بطارية تنوير بأفكار رجل شجاع، كان يملك قوة المنطق وروح الدعابة ولغة الشعر وعمق الثقافة وعشق التاريخ، مما أهله لأن يكون فى مقدمة كتيبة التنوير لهذا البلد، تلقى السهام والنبال والرصاص بدلاً ممن كانوا فى المؤخرة والكواليس، دفع الفاتورة من حياته وسمعته واستقراره، أقل واجب علينا أن نعيد نشر كتبه التى مات بسببها، وكان يتمنى نشرها لو عاش فى زمن الإنترنت لكى يواجه بهذا السلاح الجديد، فقد كان فرج فودة محروماً من دخول التليفزيون، لم يظهر على شاشته وكأنه عورة أو مرض معدٍ، فالعيب كل العيب أن تظل كتبه بعيدة عن أيدى الشباب الذى لم يعرفه إلا من خلال الأبواق الإخوانية والسلفية التى لا تعرف إلا فجر الخصومة فشيطنته لهذا الجيل. الحقيقة الغائبة لا بد أن تعود، ولنرتب بداية من الآن أن يكون فرج فودة هو شخصية معرض الكتاب القادم، وتُقام ندوات لكتبه المطبوعة فى الهيئة، وعمل مسرحى، ونشر لقاءاته القليلة التى سجّلها على التليفزيون التونسى ومناقشة محاورها، الموت الحقيقى لفرج فودة هو أن تموت كتبه وأفكاره، وهذه كارثة.