اختيار من كان وزيراً للثقافة فى عمان سلطاناً لها اختيار له دلالة رائعة وجميلة لمستقبل ذلك البلد الهادئ الرائع الجميل المحب والعاشق لمصر والمصريين، رحل السلطان قابوس بنفس الهدوء الذى يُغلف جو عمان، وانتقلت السلطة فى سلاسة وبساطة شبيهة بسلاسة وبساطة شعب عمان الجميل، ولأن السلطان قابوس كان محباً للثقافة والفنون بحكم تعليمه الذى تلقاه فى بريطانيا فى جو كان مشبعاً بالثقافة والفنون، فقد كان لا بد أن تحمل رسالته اسم من يخلفه، مغلفاً بماضٍ وتاريخٍ مشتبك مع الثقافة. من يشاهد أوبرا عمان ويقرأ جدول واختيارات عروضها يعرف جيداً ماذا يعنى الفن فى عمان، خاصة فن الموسيقى، الذى كان يعشقه السلطان قابوس، خصوصاً الموسيقى الكلاسيك، التى كان متذوقاً خبيراً بأسرارها، ونتيجة لاهتمامه بالموسيقى بأنواعها المختلفة، أصدر فى عام 1985، توجيهاته بتأسيس الأوركسترا السيمفونية السلطانية العُمانية، تحت إشراف مباشر منه، وفى 2001، أمر جلالة السلطان قابوس ببناء دار الأوبرا السلطانية العُمانية، لتكون أول دار للأوبرا، والوحيدة فى منطقة الخليج العربى، وافتتحها فى 12 أكتوبر 2011 فى حفل كبير مع رائعة جياكومو بوتشينى الأوبرالية «توراندو»، التى قُدِّمت بإخراج جديد، وضعه المخرج الإيطالى الكبير فرانكو زيفيريلى خصيصاً لأوبرا مسقط. وقد ذكر سيرجى بليخانوف فى كتابه «مصلح على العرش»: أنَّ «السلطان قابوس مُعجب جدّاً بالموسيقار العالمى تشايكوفسكى، وريمسى كورساكوف، ورحمانينوف»، وقال أيضاً إنه «من المعجبين بالعديد من الملحنين الأوروبيين؛ مثل: سبيليوس، والفنلندى، وكذلك برامز، وباخ، وإيلجار، وأولسون، وبالدرجة الأولى الموسيقى الكلاسيكية». ومن الموسيقى إلى نقد التاريخ، فقد شاهدت كلمته أثناء زيارته التاريخية إلى جامعة السلطان قابوس فى مايو عام 2000 عندما قال: إنَّ «المعرفة ليست مطلقة، وإنما متجدّدة»، وطالب أيضاً بضرورة مراجعة التاريخ الإسلامى عندما قال: «أجد أن التاريخ الذى كُتب منذ قرون مضت -أحياناً- فيه الكثير من التهويل، والكثير من التحريف، والكثير مما كتب بأهواء، أكانت سياسية أو غيرها». وطالب رحمه الله، الطلاب بضرورة نقد التاريخ، وعدم أخذ الروايات على علاتها.. وقال: إنه «لا يجب علينا أن نردِّد كل ما كتب كالببغاء»، ولأنه يعرف أنه لا نقد للتاريخ وللأفكار الرجعية المعطلة إلا بالحرية، فقد قال فى نهاية خطابه «إنَّ مصادرة الفكر والتدبر والاجتهاد من أكبر الكبائر، ونحن لن نسمح لأحد بمصادرة الفكر أبداً، من أى فئة كانت». أعتقد أن السلطان الجديد لعمان هو أول حاكم عربى كان وزيراً للثقافة، كما كان السلطان قابوس أول حاكم عربى مغرم بالموسيقى الكلاسيكية، وعارف بأسرارها، وهذا يؤكد أن الدول التى تسعى للتقدم والنهوض لن تصل إلى هدفها فقط بأرقام الاقتصاد وإحصائيات أرصدة البنوك، لكن من خلال قوتها الثقافية الناعمة، من خلال نغمات الموسيقى وأبيات الشعر وفراشات الباليه.