الشاعر والإعلامى الكبير فاروق شوشة كان، وما زال، أيقونة قريتنا الصغيرة الجميلة «الشعراء» محافظة دمياط، وكأنها حملت هذا الاسم فى رحمها انتظاراً لمولد شاعر كبير سيمتلك ناصية اللغة والبيان، ويكون حارساً عليها ليس فى مصر فحسب، ولكن فى العالم العربى كله، فى عيد ميلاده أتذكره وأتذكر أول لقاء جمعنى به فى مدرجات كلية الإعلام حيث كان يدرس اللغة العربية لطلابها فى جامعة القاهرة كأستاذ زائر، كان أبى هو أول من التحق بالتعليم الجامعى من أبناء قريته، نزح إلى القاهرة للالتحاق بكلية العلوم هناك، وكان فاروق شوشة بمثابة الشقيق الأصغر، فقد كانت تفصلهما سنوات قليلة، وكان السيد منتصر هو أيضاً النموذج والقدوة والحافز على استكمال التعليم العالى لشباب القرية ومن ضمنهم الموهوب فاروق، حكى لى أبى أن من اكتشف موهبة «شوشة» كان هو أستاذ اللغة العربية فى مدرستهم دمياط الثانوية، العملاق الرائع طاهر أبوفاشا، مؤلف العمل الإذاعى الخالد «ألف ليلة وليلة»، وهذا له قصة أخرى، باعدت المشاغل والسنون بين أبناء القرية الواحدة وابتلعتهم القاهرة، لذلك لم تسنح لى الفرصة كطفل أن أرى نجم الإذاعة فاروق شوشة الذى صار ملء السمع والبصر، إلى أن دخلت إعدادى كلية طب وكانت محاضراتى بكلية العلوم فى المدرج المجاور لكلية الإعلام، وكانت نداهة الكتابة قد تمكنت من روحى وعقلى، وكنت أحياناً أترك محاضرة الفيزياء الغامضة الصعبة لأحضر فى كلية الإعلام لتجمعنى الصدفة بفاروق شوشة، قدمت إليه نفسى بعد المحاضرة، فصافحنى بحرارة وأخذ يحدثنى عن أبى بكل حب وود وتقدير، بعدها بأسبوع كنت قد أهديته بعض محاولاتى فى القصة القصيرة لتقييمها، وانتظرت رأيه على أحر من الجمر، وكان تقييمه إيجابياً جداً بعد قراءة متمعنة لا سطحية، وقال لى إياك أن تترك الطب، فهو معين تجارب قصصية ثرية لن تنتهى، وإياك أن تنسى الأدب إذا اتجهت للصحافة، نفذت النصيحة الأولى ولم أنفذ الثانية، وأيقنت فيما بعد كم كان بعيد النظر، مساحة المقال لن تكفى لحكايتى مع هذا الرجل الجميل على المستوى الإنسانى قبل الفنى، فقد قادتنى المصادفة لمد جسور الصداقة فى أروقة الإذاعة، حيث كنت أخوض تجربة كتابة البرامج والمسلسلات الإذاعية، وعرفت منه معنى الالتزام، ومعنى عشق الميكروفون، ومعنى الجدية دون عدوانية أو شر، ثم جاءت المصادفة الكبرى بعد زواجى حين اكتشفت أن رحلات المصيف كل عام لـ«حمايا»، و«حماتى» لا بد أن تكون فى رفقة فاروق شوشة وحرمه الإعلامية هالة الحديدى، فاقتربت من هذا الإنسان الرقيق الجميل الذى مر على حياتنا كنسمة عطرة، لم يكره أحداً ولم يكرهه أحد، بل أحبه الجميع وأجمع على نقائه الكل من كافة الأطياف حتى المتنافر منها، كان مغناطيس حب ورقة ودماثة خلق، يحتضن المواهب ويشجع الجادين ويدعم صغار الإذاعيين بكل ما عنده من حنكة وخبرة، وحشتنا فعلاً يا صاحب لغتنا الجميلة.