المفروض أن يصيب الإحباط كاتباً مثلى لا يمر يوم عليه إلا بتقديم بلاغ فيه أو برفع قضية عليه أو إرسال تهديد أو كيل سباب وشتائم وسفالات.. إلخ، لكنى أعتبر أن كل هذه الهموم هى فاتورة بسيطة أدفعها أنا وغيرى من أجل قضية تنوير لخصها الفيلسوف كانط منذ قرون بقوله «كن جريئاً فى استخدام عقلك»، واستخدام العقل بدلاً من الخرافات والأساطير هو ثمن صعب وجهد مرعب ومواجهة منهكة لكل من تعود على الكسل الفكرى والإجابات الجاهزة، لكن ما يطمئن أى كاتب اختار تلك المعركة هو أن هناك نقاط ضوء تظهر فى النفق المعتم، هناك إيجابيات تنويرية، هناك أرض يكسبها العقل، يكسبها ببطء لكنه يكسبها، الحراك قد بدأ، أعترف بأن مساحة الخرافة والتغييب أكثر، لكن عجلة التنوير قد بدأت فى الدوران، والعصا حتى ولو ضعيفة قد وضعت فى عجلة وتروس الفكر الفاشى الدينى، هناك طاقات إيجابية تبث فى هذا الجو الخانق بصراخ الفاشية الدينية، لذلك نرجو عدم اليأس، هناك بنت طالبة جميلة ترأس اتحاد كلية دار العلوم التى فى فترة معينة كنا نحسبها دائماً كلية تصدر للمجتمع فكراً متحفظاً تقليدياً متصادماً غير متسامح مع الآخر، بل اعتبرها البعض قلعة من قلاع الإخوان، ها هى بنت غير محجبة تقود اتحاد الطلبة هناك وتجد عميداً يحييها بعد الفوز ويحتفى بها ويفخر بأنها بنت استطاعت أن تترك بصمة فى مجتمع بات يعتبر تاء التأنيث عورة وخطراً ويتعامل معها بعدوانية وكراهية، وهناك تاء تأنيث أخرى تم اختيارها فى أرقى مناصب الأمم المتحدة وهى د. غادة والى، وهذه نافذة إيجابية أخرى نطل منها، هناك استجابة قناة «المحور» لنداءات تيار الاستنارة المصرى بمنع داعية متطرف من الظهور على شاشتها، هناك فنانات واجهن المزاج السلفى للمجتمع الذى أراد نشب مخالبه فى أرواحهن، خلعن الحجاب الذى يعتبره الإخوان رايتهم السياسية، واجهوا الهجوم البشع المنحط الوضيع، حقاً منهن من بكت وخافت، لكن الحصيلة النهائية هى مواجهة موجة الهجوم البشع واستكمال الطريق الذى اختاروه بإرادة وحرية، هناك معارك فكرية على الأرض مع أصنام كنا قد ظنناها راسخة رسوخ الجبال، ها قد بدأت تلك الأصنام تترنح وتتهاوى ويحدث ضدها نقد وكوميكس، يعريها الشباب الذى كان لا يدرك خطورتها، يعريها ويفضحها بضغطة زر كيبورد فى شبكة عنكبوتية لا ترحم، لم يعد هناك ما يسمى المسكوت عنه، أو ما يطلق عليه الستر الفكرى، لن نكنس تراب التخلف والجهل تحت السجادة، لن نصمت خوفاً من تلويث السمعة أو الاغتيالات المعنوية، فمعركة التنوير الأوروبية دفع فيها المفكرون هناك أرواحهم، ومصر فجر الضمير ومهد العلم تستحق ذلك وأكثر.