عندما كتبت عن دفعة الأطباء الجدد الذين سيطبق عليهم نظام التكليف والزمالة، أو بالأصح نظام التدريب الجديد هذا العام، كنت أنشد الحوار والتفهم حتى تكتمل وتتلاقى وجهات النظر، وبالفعل وجدت استجابة من وزيرة الصحة وقيادات الوزارة، وتلقيت رداً تفصيلياً على كل النقاط التى أثيرت فى المقال، وقبل أن أنشر توضيح وشرح وزارة الصحة الذى تلقيته لا بد من إلقاء الضوء على بعض المشكلات الثقافية والاجتماعية وليست الطبية التى تجعلنا فى مصر عموماً أسرى حوار الطرشان، واقعين فى فخ التوجس المزمن والتربص المقيت، فنحن عموماً كشعب وليس الأطباء فقط نخاف من الجديد والمختلف، دائماً مرعوبون من التغيير، نعشق سياسة «كما كنت» و«كله تمام» وتمرين الجرى فى المكان الذى لا نتقدم به خطوة، نتبنى سياسة إنكار الواقع، ففى حالة أطباء التكليف فى وزارة الصحة، السؤال الذى لا بد من طرحه ومواجهته واحتمال درجة قسوة إجابته: هل واقع ومستوى تدريب الطبيب كان يعجبكم؟!، هل كان وردياً؟، هل هو لا يحتاج إلى تغيير أو ثورة؟، هل أنتم كأطباء شباب فى الوزارة راضون بهذا التأخير فى النيابة والتخصص حتى المشيب، ومقتنعون بأن يصيب ثلاثة أرباعكم اليأس فتسقطوا فى منتصف الطريق من الإعياء والإحباط والتعب، وأنتم ترون أقرانكم وأبناء جيلكم من خريجى الكليات الأخرى قد شكلوا مستقبلهم واطمأنوا إليه؟، إذن لا بد من الاعتراف بأن هناك مشكلة، وأن الصديد المتراكم فى الخراج لم يعد مجدياً معه إلا ضربة المشرط، وأن الطناش لن يعالج تمدد وتغول الورم، إذن لا بد من التغيير، ولابد من جودة التدريب، ولابد أن يكون الطريق واضحاً منذ البداية، لكن هذه الفوبيا من التغيير والصراخ «بلاش تغيير نظام التدريب، بلاش إجراء امتحانات دورية لقياس مستوى الأطباء، خلونا زى ما احنا».. إلى آخر تلك النغمة التى تتغنى بكنس التراب تحت السجادة، ووضع اليد على العين لإخفاء الشمس!!، وعلاج المرض بالانتحار!، من الممكن أن يختلف شباب الأطباء حول التفاصيل، اجلسوا للتحاور، وجريدة «الوطن» طرحت مبادرة برعاية وتبنى هذا الحوار وسيجلس وفد من شباب الأطباء مع وزيرة الصحة لتبادل وجهات النظر، وسننشر هذا فى حينه، فالغرض هو الوصول إلى مستوى أفضل وأرقى للأطباء، فنحن لسنا فى حلبة مصارعة نهتف لمن سيطرح الآخر أرضاً بلمس أكتاف!!، نحن فى قارب واحد نمسك بنفس المجداف وتهدينا نفس البوصلة، وإلى توضيح وزارة الصحة الذى تلقيته، هو مطروح للجميع كورقة عمل وخطة مستقبل، وأى ملاحظات متاحة بل وضرورية لاستكمال نجاح المنظومة الصحية، وهذا هو رد وتوضيح وزارة الصحة على ما طرحه بعض الأطباء من مخاوف فى نقاط محددة وسريعة: أطلقت وزارة الصحة والسكان استراتيجية للنهوض بمنظومة التعليم الطبى المهنى فى مصر، وتعد تلك الاستراتيجية بداية استدامة الإصلاح الصحى وبداية تطبيق الخطوات الجادة التى بدأتها الدولة المصرية بدعم وتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، ضمن حزمة الإصلاحات فى مجال القطاع الصحى التى بدأت الدولة فى تنفيذها منذ شهر يوليو عام 2018، وتشمل النهوض بالمنظومة الصحية بداية من مقدمى الخدمة الطبية وخلق فرص لتطوير وتحسين بيئة العمل، بما يضمن حصول المريض على أفضل مستوى من الخدمة طبقاً للمعايير الدولية. أعلنت وزارة الصحة والسكان أمس الاثنين عن قيام 341 طبيباً من خريجى الدفعة التكميلية الحالية حركة تكليف سبتمبر ٢٠١٩ بالتسجيل ببرنامج الزمالة المصرية، وذلك بنسبة تقترب من الـ50%. نظام التكليف لم يتم تعديله ولكن ما تم تعديله هو نظام تدريب الأطباء المكلفين بالعمل بوزارة الصحة، حيث كان يتقدم كل عام حوالی ۸۰۰۰ طبيب للتكليف بالوزارة، وبعد انقضاء سنوات التكليف يتقدم جزء كبير منهم لحركة النيابات للتدريب فى مجال التخصصات الطبية المختلفة، ويلتحق ۲۰% منهم بعد 6 أشهر من تسلم النيابة ببرنامج التدريب بالزمالة المصرية، ويتقدم حوالی ۲۰% لدراسة الماجستير بالجامعات المصرية ويتبقى حوالى 50% ليس لديهم أى فرصة للتدريب والتعليم الطبى. ومن هذا المنطلق كان التفكير فى تعديل نظام التدريب للأطباء المكلفين بوزارة الصحة حتى يتم تدريب ۱۰۰% من الأطباء المكلفين على التخصصات الطبية المختلفة منذ اليوم الأول للتكليف، مساواة بالأطباء المقيمين بالجامعات المصرية وهيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية التابعة لوزارة الصحة الذين يتم تدريبهم منذ اليوم الأول من تسلم النيابة. كانت أعداد المدربين المعتمدة منذ فترة قليلة بسبب ضعف المقابل المادى للمدربين، وتم حل هذه المشكلة بتمويل إضافى يبلغ 232٫5 مليون جنيه. وبالنسبة للمدربين يوجد عدد كافٍ الآن من المدربين لتدريب جميع الأطباء بمستشفيات الوزارة والجامعة، ووقعت وزارة الصحة والسكان مذكرة تفاهم لتدريب عدد من المدربين بجامعة هارفارد فهو تدريب على طرق التعليم لتوحيد نظام التدريب والتعليم وليصبحوا مدربين لأقرانهم. ويتضح من ذلك أن نظام التدريب الجديد ليس حقلاً للتجارب ولا يحتاج الأمر إلى مقدمات أو مناقشات والوزارة على استعداد للرد على أى تساؤلات مشروعة تطمئن شباب الأطباء على مستقبلهم. موضوع تعديل نظام التدريب لا يحتاج إلى قرار أو قانون فى هذا الشأن ولا يحتاج إلى تعديل تشریعی أو العرض على جهات تشريعية، كما أن مدة التكليف القانونية كما هى لم تتغير فى نظام التدريب الجديد، ويكلف الطبيب على مديرية الشئون الصحية حيث توجد درجته المالية بها ويمكنه تعديل جهة تكليفه بعد مرور عام. ورداً على تساؤلات الأطباء فى النواحى القانونية بأنه لا يوجد فى قانون التكليف ربط للتكليف مع التخصص فإنه لن يتم أى تعديل فى قانون التكليف ولكن الموضوع مرتبط بتدريب الأطباء فى مجال التخصص مساواة بأطباء الجامعة والمستشفيات والمعاهد التعليمية. لا يوجد فى قانون التكليف تحديد مدة 5 سنوات فإنه لم يتم الخروج عن القانون، حيث إن التكليف مدة عامين ولكن تم تعديل نظام التدريب ليصبح من 4 إلى 7 سنوات حسب التخصص طبقاً لبرنامج الزمالة المصرية منذ اليوم الأول لتسلمه العمل ويرقى الطبيب بعد اجتياز الامتحان النهائى وبذلك تمت معاملتهم كأطباء مقيمين منذ اليوم الأول للتكليف مثل الحركة الجزئية التى حدثت عام ۲۰۱5. تمت دعوة السيد الدكتور حسين خيرى، نقيب الأطباء، ومعه وفد من النقابة للقاء مساعد الوزير لشئون المستشفيات، للرد على جميع الاستفسارات والتساؤلات، ولكن لم يلبوا حتى الآن. ومن الناحية الفنية هذا المشروع يعتمد على تعديل نظام تدريب الأطباء المطبق بوزارة الصحة منذ سنوات.. وتم تطبيقه على الدفعة الحالية لإيقاف عدم تدريب الأطباء طوال السنوات الماضية، حيث إنه أحد مشروعات الإصلاح الصحى وبدونه لا يوجد إصلاح صحی. مع العلم بأن مستشفيات وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية تستوعب جميع الخريجين، وكون أن الزمالة المصرية كانت تستوعب ۲۰۰۰ طبيب لا يعنى ذلك أن تلك هى القدرة الاستيعابية للمستشفيات، وكان ذلك مرتبطاً ببعض التحديات تم التغلب عليها.. وعلى ذلك تمت توسعة الطاقة الاستيعابية للمستشفيات لاستيعاب تلك الأعداد بالتنسيق مع الزمالة المصرية. بالنسبة لرفع كفاءة المستشفيات فإن الوزارة لا تدخر جهداً فى رفع كفاءة مستشفياتها، ويوجد أكثر من ۱۰۰ مشروع لرفع كفاءة مستشفيات وزارة الصحة بتكلفة تبلغ ۲۰ مليار جنيه تقريباً. ومما سبق سرده يتضح حرص وزارة الصحة على رفع المستوى العلمى والمهنى للأطباء كأحد مشروعات الإصلاح الصحى، وبدونه لن يكتمل أى إصلاح صحى ولا يوجد به أى ضرر مادى أو معنوى للأطباء المكلفين به.