ونحن فى خضم معركة الشيخ الشعراوى وفتاويه، هناك خبر مر علينا مرور الكرام ولم تعلق عليه الصحافة إلا فى مقال مهم للكاتبة فاطمة ناعوت فى الزميلة «المصرى اليوم»، ماذا يقول الخبر؟، وما هى تفاصيله المضيئة؟، وما هى القراءة التى لا بد أن نقرأها خلف سطور هذا الخبر؟ الخبر ملخصه أن سيدة متوفاة دماغياً أنقذت سبعة مرضى فى السعودية، وذلك بعدما تم نقل أجزاء من جسدها إليهم خلال 24 ساعة فقط، بحسب ما ذكر مسئولون فى «الصحة» هناك، وخلال تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر»، قال الدكتور توفيق الربيعة، وزير الصحة، إن المرأة أنقذت حياة سبعة أشخاص، مضيفاً أن ذلك «تم حتى فجر اليوم فى عمل متواصل لمدة ٢٤ ساعة»، وأضاف الوزير فى تغريدته «تم نقل أعضاء مريضة ميتة دماغياً وبنجاح لسبعة أشخاص، تم تقسيم الكبد إلى جزأين وزراعتها لمريضين، تمت زراعة كُلى وبنكرياس لمريض، تم فصل الرئتين لمريضين، تمت زراعة القلب لمريض، والكلية لمريض»، وكتب الربيعة فى تغريدة أخرى: «قام بجميع عمليات الزراعة جراحون سعوديون، أشكر أهل المريضة على تبرعهم بأعضائها، تمت عمليات الزراعة فى مستشفى الملك فهد التخصصى بالدمام ومستشفى الملك فيصل التخصصى بالرياض». وأضاف: «التبرع بالأعضاء يساهم فى إنقاذ حياة الكثير، مئات الأشخاص لدينا يموتون سنوياً بسبب عدم توفر الأعضاء». وكان خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ملك السعودية، قد أصدر قراراً ملكياً بالموافقة على منح 426 مواطناً ومواطنة وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة، وذلك لتبرعهم بأحد أعضائهم الرئيسية سواء كان العضو من حى أو من متوفى دماغياً. الخبر لديهم يدعو للفرحة والتفاؤل والاعتراف بأيادى العلم البيضاء علينا، ولكنه لدينا يدعو للرثاء لأننا ونحن نتلقى هذا الخبر إذا بملايين عندنا ينتفضون دفاعاً عن فتاوى الشيخ الشعراوى وعلى رأسها فتاوى زراعة الأعضاء التى كانت سبباً فى تأجيل قانون زراعة الأعضاء ونقلها من المتوفين دماغياً وعدم تفعيله حتى بعد إقراره من البرلمان، خوفاً ورعباً من مخالفة كلام إمام الدعاة!!، وليمُت مَن يموت على أبواب حجرة العمليات وهو يدق الباب طالباً زرع كبد أو قلب، لو كانت السعودية التى عاش فيها الشيخ الشعراوى سنين عديدة التزمت بهذه الفتوى لكانت حتى هذه اللحظة تقف عند حدود حبة البركة والرقية الشرعية، لكنها انطلقت، وها هى تلك العملية المعجزة تضعها كتفاً بكتف مع هارفارد وكليفلاند، فتوى الشيخ تدين تلك السيدة المتبرعة، لأنها تصرفت فيما يملكه الله وهى ليست لديها حرية التصرف، والسبعة الذين نقلت إليهم الأعضاء متهمون ومدانون بتهمة التدخل فى المشيئة وتأجيل لقاء الرب، أنا مرغم أمام ما حدث فى تلك الجراحة وما خلفها من فكر متحرر جسور، على طرح هذا التساؤل، ليه بقينا كده؟، لماذا نصر على تحنيط الأدمغة وتقديس البشر حتى ولو على حساب جودة حياتنا وتقدمها؟!، معقول أن ندافع عن فتوى من الممكن أن أفقد بسببها أمى أو ابنى أو حياتى أنا شخصياً بسبب احتياجى لزرع عضو؟ كل هذا لتعيش قدسية الفتوى وصاحب الفتوى، لا تخدشها مجرد مناقشة، معقول أن يدافع أستاذ نساء وولادة عن فتوى الأربع سنوات كأقصى مدة للحمل!!، معقول تلك الهستيريا التأليهية للبشر والتضحية بكل منطق وكل عقل فى سبيل الذود عن حصن تلك الأفكار المتحفية!! صدقونى القضية ليست قضية شيخ بعينه، ولكنها قضية وطن يصرون على أن يفقدوه عقله.