مجلة «روزاليوسف» أو «روزا»، كما كنا نطلق عليها، كانت طوال تاريخها منجم المواهب وبركان التمرد والحرية، استقبلتنى جدرانها وصفحاتها وأنا مازلت طالباً فى كلية الطب بلا سكرتارية أو وساطة أو كارت توصية، وكان مقالى الأول، سواء فى «صباح الخير» عن جيل الآمال المؤجلة، أو فى «روزا» عن زرع الأعضاء من ضمن عناوين الغلاف وأنا مجرد اسم مجهول فى عالم صاحبة الجلالة..

شجعنى حنو الأستاذ لويس ودماثة خلقه وصبره الذى لا ينفد.. علمنى ذكاء الأستاذ عادل حمودة وسرعة بديهته وسماحه لكل الآراء المتمردة الجديدة الشابة بالغناء على صفحات «روزا» خارج السرب وبعيداً عن القطيع، لمست عن قرب جيل مواهب «روزا» وهو يصنع أحلامه على الورق بثقة، ويحول حبر المطبعة إلى أصابع ديناميت تفجر جبال الرجعية والتخلف، لتخلق وتعبّد طريقاً إلى الأمل والحرية، كتيبة الموهوبين التى تضم إبراهيم عيسى ووائل الإبراشى وأسامة سلامة وإبراهيم خليل وعصام زكريا وعمرو خفاجى ومحمد هانى وأيضاً عبد الله كمال قبل أن تناديه ندّاهة لجنة السياسات، لم أصدق أننى أنشر فى «روزا» التى كنت أحتفظ بكل أعدادها فى زمن ثلاثى الجمال والعظمة: عبدالرحمن الشرقاوى وصلاح حافظ وفتحى غانم.. كانت عائلتى تضج من ازدحام حجرتى بأعداد مجلة «روزا» التى شكلت الوعى والحلم والثقافة لمراهق صغير كان يتلمس طريقه فى أحراش النظريات وعواصف الأفكار، إلا أن هذا الزحام كان الدفء والملاذ لمراهق متعطش للحرية.

كان حزنى عميقاً عندما عرفت أرقام توزيع «روزا» فى زمن لجنة السياسات، والتى انخفضت إلى أرقام مخجلة، هل هذه «روزا» التى أعرفها والتى كانت تتعدى حاجز المائة ألف نسخة؟ قاومت الوسواس والهواجس وظللت أشترى «روزا»، لكنى لم أجدها نفس «روزا» حافظ وغانم وحمودة، اختلفت ملامحها وشاخت وزحفت عليها تجاعيد الحزب الوطنى، امتنعت بعد فترة عن شرائها وأنا فى قمة الحزن وكأننى أفارق معشوقتى التى أهيم بها حباً وعشقاً، لكنى كنت أعرف أن «روزا» لا يمكن أن تموت، كنت مقتنعاً بأنها بعافية حبتين، وستستيقظ كما العنقاء من الرماد بميلاد جديد وبهاء وألق وبكارة وبرعم حلم أخضر، يقاوم رمال التصحر التى تنشر الجدب وتعشق الموت والكآبة.

واثق من أن الثنائى أسامة سلامة وإبراهيم خليل سيمنحان «روزا» قبلة الحياة وحقن البوتوكس، لتعود إلى شبابها وتألقها وروعتها القديمة، اقتربت من الصديق أسامة سلامة أكثر وعرفته جميلاً على المستوى الإنسانى، فضلاً عن مهارته المهنية منذ أن كان مسؤولاً عن ملف الأقباط، الذى كان قدس الأقداس، وسر الأسرار الكهنوتى فى عالم الصحافة، لا يجرؤ صحفى على فتح صندوقه الأسود، أعتقد أن تصالحه النفسى سينعكس على فريق العمل الملىء بالمواهب والحماس، وسينعكس بالتالى على الصحافة المصرية التى تحتاج الآن أكثر مما قبل إلى كسر التابوهات والتمرد على الركود ومناقشة كل البديهيات وطرح القضايا الاجتماعية الشائكة التى تهمل عادة فى المجلات السياسية، والأهم إعادة الثقة فى المجلة الأسبوعية فى مناخ التنافس الشرس، الذى يتابع الخبر كل دقيقة ويراهن على إعلان وفاة المجلة الأسبوعية فى زمن الإنترنت والموبايل.

مبروك علينا عودة «روزا» فى ثياب العروس الزاهية.. مبروك علينا كتب كتابها على القلب والعقل المصرى، مبروك علينا صوت جديد فى معركة الحرية والعقل والتقدم.