وصلتنى رسالة مهمة من د. حاتم أيمن توفيق، الخبير الشهير فى جراحات تجميل العيون، يتحدث فيها عن مستقبل الذكاء الاصطناعى، يقول فيها: انتهيت هذا الأسبوع من قراءة كتابين هما من أهم ما كُتب عن مستقبل البشرية وهما كتاب super-intelligence لمؤلفه نيك بوستروم، والكتاب الآخر الأكثر رواجاً وإن كان أقل عمقاً homo deus للكاتب الإسرائيلى يوفال نوح هرارى. وفيهما يتفق الكاتبان على أن الأسس التى يقوم عليها الاقتصاد العالمى اليوم والمستمرة منذ بداية الثورة الصناعية على شفا الانهيار، وأن النموذج الاقتصادى العالمى الحالى للمواطن الذى يستيقظ صباحاً ليعمل من التاسعة للخامسة (أو للواحدة ظهراً إن كنت تعيش فى مصر) ربما لن يكون موجوداً فى غضون عقود قليلة ولن تبقى إلا حفنة قليلة من البشر فى مجالات العمل التقليدى، بل ربما قد تتدهور الأمور إلى الحد الذى سينعدم فيه دور البشر تماماً كما تنبأت مجلة foreign affairs فى عدد أغسطس ٢٠١٥ أن مصير البشر فى ظل ثورة الذكاء الاصطناعى سيكون مطابقاً لمصير الحصان الذى انتهى دوره تماماً كوسيلة مواصلات، ومأساة الحصان تنفى تماماً المقولة التطمينية الساذجة التى تقول إن التكنولوجيا ما هى إلا مكملة للإنسان ولن تكون أبداً منافساً له، وبرغم قبول مفكرين آخرين لخطر الذكاء الاصطناعى لكن بسيناريو أقل حدة عن طريق الادعاء أن تلك المخاوف حقيقية، لكن التخوف أن الجيل الحالى من البشر سيشهدها مجرد ترهات وأن تلك النهاية المأساوية للبشر لن يراها إلا أحفادنا، إلا أن «بوستروم» يتنبأ أن النهاية قد تكون مفاجئة وأسرع مما نتصور، وقد نصحو يوماً ونجد البشر قد أصبحوا فجأة فرضاً زائداً عن الحاجة على هذا الكوكب، لكننى أزعم أن النهاية قد بدأت بالفعل وتحدث يومياً على مرأى ومسمع من الجميع ودون أن نعى، فالعدو القادم للبشرية لن يكون جيوش الروبوت الخرقاء كالتى نشاهدها فى أفلام حرب الكواكب، لكن العدو الحقيقى غير مرئى وهو عبارة عن تطبيقات وبرامج على الهاتف المحمول وأجهزة الكمبيوتر تتسلل إلى حياتنا يومياً وبهدوء، وفى البداية سيبدو أنها تجعل حياتنا أكثر سهولة، ولكن الأمر سينتهى كما سنرى فى مجال قيادة المركبات إلى أنها ستنهى دور البشر تماماً، فحتى شهور قليلة مضت لم أكن ألقى بالاً لتلك المخاوف مطمئناً نفسى دائماً أن أبنائى ربما هم الأولى بالقلق إلى أن قرأت خبراً مزعجاً أن إحدى شركات التاكسى الأمريكية الكبرى (تعمل أيضاً فى مصر) تعاقدت على شراء ٢٤٠٠ سيارة بدون سائق من إحدى الشركات السويدية وتنوى إدخالها الخدمة فور تسلمهم، وبعيداً عن الفوائد الاقتصادية المزعومة لتكنولوجيا عمل مركبات بدون سائق التى تروج لها كذباً تلك الشركات، فلنا أن نتخيل خطورة هذه الخطوة على مستقبل البشرية بصفة عامة وربما الإحصاءات فى مصر ليست دقيقة، لكن مهنة قيادة السيارة هى أكثر المهن شيوعاً فى الولايات المتحدة وربما العالم، وهذه الخطوة الكارثية التى لن يستطيع أحد إيقافها الآن لن تؤدى فقط إلى فقدان ملايين السائقين وظائفهم، لكنها ستؤدى أيضاً إلى فقدان ملايين آخرين لوظائفهم من العاملين بتأمين وتمويل وصيانة السيارات على سبيل المثال، ولا محل للادعاء أن شوارع مصر لا تصلح لذلك النوع من السيارات لأننا سمعنا نفس ذلك الجدل الساذج عندما دخل الـGPS مصر ومع ذلك فى غضون سنوات قليلة أصبح الجميع معتمداً عليه حتى سائقو التوك توك بناء على تجربة شخصية فى أسوان. والمزعج أن الأمر لا يقتصر على قيادة السيارات فقط وما يتبعه ذلك من نتائج اقتصادية كارثية ومحتمة، إلا أن الذكاء الاصطناعى سيحل محل البشر ليس فى الوظائف البسيطة فقط، ولكن فى مجال المهن الأكثر تعقيداً من طب ومحاماة وهندسة، على سبيل المثال فى المجال الطبى، وفى مجال تشخيص الأمراض بالذات ستنقرض وظائف مثل طبيب الأشعة وطبيب الأمراض الباطنية والجلدية وستحل محل تلك الوظائف algorithms. وبرامج بدأ بعضها فعلاً فى تشخيص أنواع معينة من سرطانات الجلد والتفرقة بينها وبين الأورام الحميدة، وتلك التطبيقات ولا حتى مبرمجوها لم تحضر أبداً محاضرة لأى من أساتذة الجلدية لكنها ستتفوق عليهم فى تلك البرامج التى لا علاقة لها بالطب من أساسه بل ستكون عبارة عن تطبيقات صور photo app يتم تغذية البرنامج الواحد بعشرات الآلاف من صور المرض وكينونته ليتمكن البرنامج بعد ذلك عن طريق photo recognition من تشخيص المرض بدقة متناهية وسيعقب ذلك بالتأكيد انقراض الجراحات، وتلك قصة أخرى، وعموماً تشير الدراسات الحديثة إلى أن آخر الوظائف التى ستبقى للبشر هى إما التدريس أو أن تعمل مدرباً لكرة القدم (أو أى رياضة عموماً) أو العمل بالفنون التشكيلية. تلك الوظائف ربما ستظل لها قيمة اقتصادية. وللحديث بقية حتى نحلل ماذا نحن فاعلون كأفراد وأمة إزاء ذلك الإعصار القادم لا محالة.