نحن نفهم الفلسفة، للأسف الشديد، على أنها مصدر الحيرة والتوتر والتوهان وتعقيد البسيط وتصعيب السهل. وهذه التخوفات تجعل الأفراد ووزارات التعليم والحكومات تكره أو تتجنب أو تعادى تدريس الفلسفة. كل هذه التخوفات لا أساس لها من الصحة، بل على العكس، وكما يقرر المفكر المغربى «سعيد ناشيد»، الفلسفة مصدر طمأنينة. فى كتابه الرائع «الطمأنينة الفلسفية» يمنحنا مانيفستو السعادة بالفلسفة والطمأنينة من خلالها، ويقنعنا بأنها قرص مهدئ، أو فيتامين حياتى مضاد للأكسدة والشوارد المدمرة لخلية الروح بلغة الطب. فى البداية يقول ناشيد: «عقلك طوق نجاتك حين تثق فيه، عقلك فرصة خلاصك حين تستنجد به، عقلك حارس أمنك الروحى حين تعول عليه، عقلك صراطك المبين حين تهتدى به»، لذلك فالفلسفة من خلال ذلك الكتاب المهم ستتأكد من أنها ستحقق لك الأمن الروحى، والسكينة النفسية، والطمأنينة الوجودية، أو ما يسمى بلغة الإغريق «أتاراكسيا». والمسلم يعانى بشكل كبير من توتر روحى بالغ التعقيد، كما يقول ناشيد فى كتابه، هذا التوتر ناتج عن تضارب حاد بين شعورين متناقضين، الأول فقدان الثقة فى معتقداته بسبب حجم الهزيمة الحضارية، الثانى شعور الخوف بسبب فقدان القدرة على فهم ومجاراة التطورات العلمية والاجتماعية. والطمأنينة التى يقصدها «ناشيد» ليست طمأنينة الأوهام والثوابت التى تؤجل شقاء الروح حتى يتفاقم، فالثوابت عدوة الحرية، والفلسفة لا تنمو إلا فى المجتمعات الطامحة إلى الحرية. يبدأ الكتاب بالسؤال الأول: هل نغير الحياة أم نغير نظرتنا وفكرتنا عنها؟ فهناك تحسين الحياة (بنية تحتية ودخل وتقنيات)، وهذا هو معظم جهدنا، وهناك تحسين نظرتنا إلى الحياة (علمياً.. أخلاقياً.. جمالياً)، وهناك الأهم، والذى نغضّ الطرف عنه تماماً، وهو تحسين القدرة على الحياة (دور الحكمة.. الفلسفة). أكبر مرض يدمر الحياة هو مرض العجز عن الحياة، وتحسين القدرة على الحياة يحتاج إلى تحسين القدرة على التفكير، أفكارنا حول الأشياء أشد تأثيراً على سعادتنا من الأشياء نفسها، إننا لا نستطيع تغيير العالم كما ينبغى، لكننا نستطيع تغيير نظرتنا إلى العالم كما ينبغى، التأمل هو البحث عن ممكنات الأمل داخل ذواتنا، وعبر التأمل نتمرن على تطوير مهارة التفكير النقدى الهادئ والمتحرر من سطوة الانفعالات السلبية. ينتقل الكاتب إلى تكنيك يصفه بـ«الأبيقورى» للحصول على الطمأنينة من تلك المدرسة الفلسفية، فاضطراب الروح من وجهة نظر أبيقور ناجم عن أمرين: الخوف الوجودى من جهة، والرغبات التى لا تهدأ من جهة أخرى، وأصل الخوف هو الجهل، لذلك لا بد من المعرفة لهزيمة الخوف، أما الرغبات فمنها الطبيعى والضرورى، ومنها الطبيعى وغير الضرورى، ومنها غير الطبيعى وغير الضرورى، كالثروة والسلطة والشهرة، اطرح سؤالاً دائماً: «ماذا سيحدث إن لم أُشبع تلك الرغبة، ماذا سأخسر؟»، ما يسميه «أبيقور» السلوك النزيه هو أن يعيش الإنسان متصالحاً مع ذاته ولا يمارس إلا قناعاته بوضوح، أما الخوف من العدم هذا الإحساس الذى يسبب الهلع للإنسان، فيقتبس المؤلف من إنشاد إغريقى قديم هذه العبارة «الإنسان غير الموجود أصلاً، لا يمكنه أن يشقى، لا يوجد ما يجب خشيته بعد الموت».