شاهدت صورتين متناقضتين فى نفس الدقيقة، أطفال أوروبيين يعزفون على الكمان فى أوركسترا بكل فرح وحب وبهجة وتركيز، وأطفال بجلاليب متجهمين فى الشام يمسكون بالمسدسات فى وضع تنشين، تدربهم «داعش» على القتل.. ثقافة الحياة ضد ثقافة الموت، هناك يعزفون للحياة وعلى أوتار الحياة وهنا يعزفون عن الحياة وعن فرحة الحياة. تلك المعانى التى تستحق الحياة أن تعاش من أجلها، يربى عليها الأطفال منذ نعومة أظفارهم، إنه الفن الذى نهمله فى مدارسنا، لدرجة أن غرفة الموسيقى لم يعد لها مكان فى المدارس، صارت ديكوراً أو مخزن نفايات أو حجرة لعمل المحشى!! حصة الرسم دائماً يغتصبها مدرس اللغة العربية أو الحساب لأنها غير ذات أهمية. غرس ثقافة أنك على الأرض لمجرد انتظار لحظة الموت والصعود إلى السماء، هذا الغرس لن ينتج إلا أشباه بشر، مجرد أن الأرض ممر أو جسر، سيجعلك فاقداً لثقافة البهجة وثقافة العمل الجاد والطموح المتجدد. فلنعزف للحياة ولها وعلى قوس كمانها، فليست النشوة جريمة، ولا الفرحة تستدعى قول «اللهم اجعله خير» أو يكون الضحك الكثير نذير شؤم أو موت قريب، أو ننظر إلى الطفل الشقى المبهج الذكى الذى لديه طاقة حياة بأنه «ابن موت»!! فلنصنع جنتنا على الأرض، ولنجعل فردوسنا قيد التنفيذ فى حياتنا، حصة الفن فى المدارس فريضة، وجريمتنا الكبرى هى حرمان الطلاب منها بدعوى «خلينا فى العلم الحقيقى»، تنمية الخيال لن تحدث إلا مع رقى الموسيقى التى ثبت أنها تنمى الخلايا العصبية وتنشط الموصلات فيما بينها وتجعل من المخ شعلة يقظة مستمرة، تطور التوافق العضلى العصبى واستمرار جذوة الحلم هى مع الفن التشكيلى واللون والضوء والظل، المسرح المدرسى سيعلم الطفل أهمية الفريق والمشاركة ويبث فيه الثقة ويخلق الاستقلالية، ادعموا الفن فى المدارس ستكسبون حتماً معركة الإرهاب مع جيل يعزف على الأوتار بالقوس ولا يعزف بالسكين على الرقاب.