أجمل من فيلم «الممر»، هى الحالة التى أحاطت بالفرجة على «الممر»، بعيداً عن التشريح الفنى للفيلم الذى حتماً سنختلف عليه كمشاهدين ونقاد، إلا أننا لن نختلف على بهجة الحالة ونشوة اللمة ودفء الونس كمصريين، كان أكثر ما بث الرعب فى قلوب المصريين وجعلهم يخرجون فى ٣٠ يونيو بتلك الأعداد الغفيرة، هو الخوف من فقدان الهوية على يد الإخوان، فقد كانوا قد بدأوا فى إذابة تلك الهوية وتشويه الـ«دى إن إيه» المكون لنواتها، فكل شىء من الممكن أن يعوض ويتم إصلاحه، حتى الفساد الإدارى والانهيار الاقتصادى... إلخ، إلا فقدان الهوية ومسخ الشخصية، إن حدث فلن يعوض ولن يعالج، حالة الالتفاف والنقاش والإعجاب والحماس التى أحاطت بفيلم الممر عند عرضه تليفزيونياً للشعب المصرى على القنوات الفضائية والأرضية، هذه الحالة بثت الطمأنينة فى أن الهوية ما زالت بخير، وأن النواة تحتفظ بعافيتها وحيويتها برغم بعض الشوائب والسموم والفيروسات التى حاولت اختراقها وسرقة شفرتها الجينية، إلا أن كل تلك المحاولات ظلت سطحية ولم تنفذ إلى العمق، بالطبع كانت مشاهد المعارك الحربية التى أخرجها المخرج الكبير شريف عرفة هى مغناطيس الجذب ومحط الأنظار ومركز الإبداع، إلا أن مشهد السنترال هو الذى مثّل لى شخصياً «ماستر سين» الفيلم، فعبور الممر وتدمير المعسكر الإسرائيلى استولى بالطبع على اهتمام الجميع، وأيقظ أحاسيس البهجة والفرحة واستعادة الكرامة والأخذ بالثأر، لكن مشهد السنترال يحكى لك ببساطة كيف تسقط الشعوب من داخلها بالانسحاق واليأس وخدش اللحم والروح بأظافر السخرية، وتحول كل فرد إلى جزيرة معزولة ووطن مهجور مهاجر، حينها ينتفى مفهوم الشعب وفكرة الوطن الذى إذا بحثت عنه فى وقت الشدة والاحتياج إلى التكتل لمواجهة الخطر لن تجده، إذا سكنتنا روح السنترال سينهار الوطن، وإذا سكنتنا روح الممر سيستيقظ الوطن وينمو ويزدهر، عامل السنترال الذى سخر من بطل الفيلم وشاركه الموظفون والجمهور، ونشب مخالب الإهانة ليتضخم غول المهانة، بدلاً من التكاتف لدرء الخطر يكون الحل والبديل، دعنا نتسلى على الجثث والغربان تنهشها، هل روح السنترال هى الحل؟، أم روح الممر؟، لا أقول أبطال الممر، لكن أقول روح الممر، العزيمة، الإصرار، التخطيط، التفكير خارج الصندوق، الإرادة، الحب بين أفراد الفريق، أى فريق بداية من أفراد كتيبة إلى شعب كامل، لا نريد أن نكون «فوتوكوبى» بشرياً، كلنا شبه بعض، لا ليس هذا هو المطلوب أبداً، لكن أن تصب اختلافاتنا فى وعاء هذا الوطن، فهو ليس سكناً مؤقتاً بل أرض تضم أرواحنا وأجسادنا وأحلامنا وإحباطاتنا، وستضم رفاتنا فيما بعد، كل فرد فى كتيبة «الممر» كان يشكو من التهميش، فى أحد حوارات الفيلم عندما أحضرت الفتاة السيناوية الجميلة الطعام إلى الجنود، كان النوبى يشكو والصعيدى والسيناوى، لكن كما جمعتهم وجبة الطعام، جمعتهم عقيدة الوطنية، كل منهم برغم الصعوبات والشكاوى، كان على استعداد لبذل الدم من أجل معنى مجرد اسمه الوطن، المهم أن نحتفظ بروح الممر لا بروح السنترال.