فى بداية هذا العام احتفلنا بعيد ميلاد الكاتب الصحفى الروائى السيناريست الفنان إحسان عبدالقدوس، مر قرن كامل على ميلاد «إحسان» الذى تخرج على يديه وبرعايته جيل هو أجمل وأنبل وأروع الأجيال الصحفية التى مرت على مصر، وفى ختام هذا العام أكمل مهرجان الجونة السينمائى رحلة الحفاوة والاحتفال بتكريم اسم إحسان وإقامة معرض خاص له، وأنا أعتبر دور إحسان عبدالقدوس فى التنوير الاجتماعى لا يقل عن دور طه حسين فى التنوير الفكرى، فالتابوهات التى حطمها «إحسان» الذى عرَّى برواياته وفضح زيف العلاقات العاطفية المشوهة بداية من كلمة الحب وحتى رعشة الجنس، لم تكن أقل من تابوهات التاريخ التى حطمها طه حسين. جزيل الشكر لمهرجان الجونة على أنه جعل إحسان عبدالقدوس أيقونة السينما، وانتبه منظموه إلى قيمة «إحسان» السينمائية، حيث كان وما زال أكبر روائى هو ونجيب محفوظ اقتبست السينما من إبداعهما العظيم والخالد. ظل الروائى الكبير إحسان عبدالقدوس، رغم إنتاجه الكبير والضخم، بعيداً عن الاحتفاء النقدى الذى يليق ببصمته وتميزه وتعدد إسهاماته، خاصة فى الستينات والسبعينات. وظل تصنيفه ككاتب سياسى وصحفى هو السائد والمسيطر، لكن كبار النقاد حينذاك، الذين كانوا جميعاً من اليسار، كان تدشين الروائى لا يتم إلا من خلال ختمهم الخاص، وكان عالم إحسان عبدالقدوس بالنسبة لهم هو مجرد مجتمع بورجوازى مخملى، ليست فيه رائحة الفلاح أو عرق العامل أو مشكلات البروليتاريا. وللأسف تحكمت تلك النظرة حتى فيمن يحب أدب إحسان، فأصبح يخفى هذا الإعجاب، حتى لا يفضحه أو يجرسه كبار النقاد ويتهموه بأنه من بقايا البورجوازية المتعفنة. احتفت به السينما، وصارت أفلامه الأكثر جماهيرية، ولكن هذا بدلاً من أن يصب فى صالحه صار سُبة وتهمة بأنه يغازل مشاعر الشارع الذى يشعله ويجذبه الجنس، وكأن الكتابة عن الحب والجنس جريمة. قمة الإحساس بالمرارة أن يتم تصنيفك وسجنك فى قفص هذا التصنيف، بسبب الانتماء الأيديولوجى الذى جعل البعض ممن لا تطاول قامتهم «واحد على عشرة» من «إحسان» يتربعون على القمة، وتُكتب عنهم الدراسات المطوَّلة، ويحصلون على الجوائز، كل هذا الاحتفاء بسبب الانتماء إلى الشلة والانتساب إلى الرابطة.