د. نوال السعداوى ليست مجرد كاتبة مقال أو رواية ولكنها سيرة تمرد تنبض بالحياة أمامنا، تعلمنا أن الموت الحقيقى هو الحديث بنصف لسان والتفكير بنصف عقل.. ظلت طوال حياتها لا تهادن ولا تقول إلا ما فى دماغها وما يجول فى خاطرها، لم تعِش أزمة المثقف العربى فى أن يقول فى الكواليس والظلام والغرف المغلقة كلاماً وفى العلن والنور وأمام الناس كلاماً مختلفاً، تحملت اتهامات التكفير من الفاشية الدينية، وتحملت اتهامات الدعوة للفسق من الفاشية الاجتماعية، فقدت وظيفتها فى وزارة الصحة ولم تنافق لتعود، حُرمت من دخل الوظيفة الثابت وطُردت إلى الشارع حيث قوبلت بهجوم وإقصاء من هذا الشارع الذى لا جماهيرية لمن يخاصم الفكر السائد فيه حتى ولو كان هذا الفكر خميرة التخلف، عانت كثيراً نتيجة هذا الصدق وعدم المماينة. سجنها السادات فى أحداث سبتمبر، صودرت كتبها فى معارض الكتاب بعدها، وطوردت حتى تم النفى الخارجى بعد النفى الداخلى، لكن عبقريتها فى أنها كل مرة كانت تُحوِّل معاناتها إلى إبداع وتخرج كالعنقاء من رماد الحرب ضدها، يطردونها من وظيفتها فى الصحة فتؤلف كتباً تترجم إلى معظم لغات العالم، يسجنونها فتكتب معاناتها فى كتاب من أبدع ما كتبت، يصادرونها فتذهب إلى أمريكا تتعلم وتعلم وتعطى محاضرات وتحصل على جوائز. حصلت نوال السعداوى على العديد من الجوائز العربية والعالمية منها جائزة الشمال والجنوب من المجلس الأوروبى، وجائزة ستيغ داغيرمان من السويد وجائزة رابطة الأدب الأفريقى وجائزة جبران الأدبية وجائزة من جمعية الصداقة العربية الفرنسية وجائزة من المجلس الأعلى للفنون والعلوم الاجتماعية، بالإضافة إلى الدكتوراه الفخرية من قبل الكثير من الجامعات الأجنبية. بينما هى تتمتع بتلك الحفاوة فى الخارج إذا بأحد المحامين يرفع دعوى عليها فى محكمة القضاء الإدارى، يطالب فيها بإسقاط الجنسية المصرية عنها، إلا أنه لحسن الحظ تم رفض هذه الدعوى، وقامت الجماعات الإسلامية بعدها بتهديدها بالقتل. إنها قصة يعجز عمود صحفى أن يستوعبها، لكنى فى النهاية لا بد أن أشكر وزيرة الثقافة التى قامت فوراً بالاتصال بوزيرة الصحة فور علمها بحالة السعداوى الصحية إذ أجرت جراحة فى مفصل الفخذ اليسرى، واستجابت وزيرة الصحة مشكورة ونقلتها إلى مستشفى معهد ناصر. نوال السعداوى.. سلامتك ألف سلامة.