«كيف يتحول شاب رقيق ما زال يخطو أولى خطواته على درب الحياة إلى سلفى جهادى منخرط فى أخطر تنظيم دموى عرفه التاريخ؟!».. سؤال طالما بحثنا عن إجابته بفضول وشغف، لم تكن تكفينى أو تشبعنى أطنان الدراسات الأكاديمية الصادرة من مراكز دراسات تعتمد على إحصائيات رقمية باردة تنقصها حرارة الواقع ولهيبه، كنت أبحث عن شهادة شاب انضم لداعش يحكى بالتفاصيل وبكل صدق عن تلك التجربة التى فيها مناطق إنسانية أليمة وتغيرات فجائية حادة مباغتة، ليس أفضل من نبض الواقع ومرارته كبصمة شهادة وتوثيق لتلك التجربة الفريدة، وجدت ضالتى فى كتاب «كنت فى الرقة» للباحث التونسى هادى يحمد، الكتاب مهم فى رصد هذا التحول الدراماتيكى، أهميته نابعة من أن بطله شاب تونسى اسمه محمد الفاهم، تركيبة فريدة وسبيكة إنسانية معبرة تقربنا من حل اللغز وفهم الشفرة، الشاب تونسى وهذا الانتماء وتلك الجنسية تحمل علامة استفهام كبيرة طوال رحلتك مع صفحات الكتاب، تونس تلك البقعة العلمانية المستنيرة فى صحراء العرب والتى حصلت فيها المرأة على مكتسبات تحسدها عليها كل النساء الناطقات بالضاد، تلك البلد التى بدأت الربيع العربى والتى كسر مثقفوها تابوهات لا يستطيع مثقفو معظم البلاد العربية مجرد الاقتراب منها. المدهش أن أكثر المنتمين لداعش هم من شباب تونس!!، سؤال يحاول الكتاب الإجابة عنه، خاصة أن هذا الشاب عاش طفولته فى ألمانيا وهذا يطرح سؤالاً أخطر عن الجيل الثانى الذى يعيش فى أوروبا وهو كاره لثقافتها ويتمنى تفجيرها!، أخطر ما يضيفه الكتاب لمعلوماتنا هو أن التوانسة هم أشرس الدواعش!، وهذه المعلومة التى صعدت إلى مرتبة الحقيقة يعرفها جنود داعش أنفسهم، لدرجة أنهم كانوا يحمون العوام من قسوتهم! كيف تشكل هذا العقل وذلك الوجدان، رحلة فى منتهى القسوة والغرابة، البداية غربة فى بلد المهجر ألمانيا، ثم العودة إلى مدينة نابل فى تونس حيث تتكرر الغربة فى شكل تناقض ما بين التنافس فى مسابقات حفظ القرآن وبعض أشكال العربدة والمجون، تمزق وصراع، حادثة عارضة يلتقى فيها مع القبضة الحديدية للأمن هناك فى زمن بن على، مرارة السجن والتعامل اللاإنسانى، إلحاح شديد على فكرة الهجرة الثانية، محاولات مستمرة وفاشلة للهروب عن طريق الجزائر، إلى أن ينجح فى المرور عبر ليبيا ثم إلى تركيا ثم إلى حيث تسيطر داعش، حيث يولد من جديد بعد أن تصادر بطاقات الهوية والملابس والهواتف وتتم عملية ولادة جديدة. تفاصيل الذبح والقتل والحرق والرعب داخل داعش للمارقين أبشع منها ضد أعدائهم، يحكى «الفاهم» عن قصص التكفير الداخلية التى تبدأ بتكفير المذهب المخالف ثم التنظيم المخالف كتنظيم القاعدة ثم تنتهى إلى داخل تنظيم داعش مع انفجار الجدل حول رفض العذر بالجهل الذى فتح أبواب جهنم التكفيرية. يحكى عن نظام السبايا وكيفية التعامل مع المرأة كأداة جنس فى القطيع، ثم يحكى عن صدمته بعد معارك قتال دامية، ومحاولات الهرب والخروج من داعش، وهى حكايات مرعبة تحتاج كتاباً منفصلاً. الكتاب فى غاية الأهمية لمن يريد التعرف عن قرب على هذا التنظيم الدراكولى الذى يعيش فى زمن الكهوف عقلاً وفى زمن الإنترنت جسداً.