شكراً للدكتورة منال ميخائيل، محافظ دمياط، على موقفها الإنسانى من الطفلة «هبة» التى تعرضت لمأساة التعذيب المروعة التى تعف عن فعلها الضباع الجائعة، شكراً للدكتورة عزة العشماوى أمين عام المجلس القومى للأمومة والطفولة، على تحرك المجلس لإنقاذ «هبة»، لكن السؤال: هل زيارة فندق اللسان ومدينة الملاهى فى رأس البر مع المحافظ كافية لتضميد الجراح المكوية بنصل السكين الساخن؟!، هل تلقى مكالمات الخط الساخن ١٦٠٠٠ سيبرد سخونة وملح ولهيب ونزف تلك القروح؟، شاهدت صور «هبة»، كانت شاردة، هناك دمعة متحجرة تأبى النطق بالألم الساكن فى مقلتها المنكسرة، نظرة انسحاق، صرخة قهر مكتومة، أنين صامت، صمتها يديننا جميعاً كمجتمع طالما تواطأ على تجاهل العنف ضد الأطفال واعتباره نوعاً من التأديب المشروع، شرودها ينبهنا إلى أن أطفالنا ليسوا ملكية خاصة، ليسوا عزبة أو أبعادية، ليسوا قطع أثاث أو دمى لهو أو كائنات بلا عقل أو إحساس، «هبة» ابنة قرية أبى وأمى وأجدادى، قرية الشعراء موطن الشعر والبهجة والحب والفرح واللعب، مكان ولادة أبى وصديقه فاروق شوشة حارس اللغة العربية وشاعر الشجن النبيل وعنوان دماثة الخلق وعفة اللسان، كنت أذهب إليها طفلاً فى إجازاتى الصيفية كى أحصد الحب والحنان وطبطبة الخضرة ولذة طعم التوت والبلح والجوافة، وأتلقى ثمار الصحبة والونس والجمال، كانت «الشعراء» وكأنها خلقت لشقاوة الأطفال البريئة، كأنها حضن كبير يسع الكون ويرحب بالجميع بدون لافتات تقسيم أو حواجز تفرقة، ماذا حدث؟، ما الذى جعل هذا الأب المخدر وتلك الزوجة المنزوعة الضمير والإحساس، يصلان إلى تلك الوضاعة والانحطاط؟!، التفاصيل مرعبة، كدمات وحروق، زوجة أب تقول لها «إنتى خدامة»، تجبرها وهى بنت ثمانى سنوات على تنظيف ومسح حتى يغمى عليها!، حرقها بسكين بعد وضع النصل على شعلة بوتاجاز حتى درجة الاحمرار، ضرب بسلك كهربائى وحزام، تقييد رقبة وربط فى السرير.. إلخ، كوكتيل شيطانى بشع لا إنسانى سافل، تحتاج معه «هبة» إلى علاج وتأهيل نفسى سنوات وسنوات، الفسحة جميلة، لكن الأجمل أن نتعرف على جذور المأساة التى كتبت عنها عدة مرات هنا فى «الوطن»، انتشار المخدرات فى تلك القرية التى ضحت بالخضرة فى سبيل الوكر والغرزة، الشعراء من أجمل قرى مصر، اقتربت الآن من أن تكون مدينة، لكن غول المخدرات يمص الدم ويقتل الإحساس، ولن تكون «هبة» هى الأخيرة طالما خيم الدخان الأزرق على الضمائر فراحت فى نوم عميق.