احتفاء «جوجل» بعيد ميلاد الفنانة الراحلة مديحة كامل الذى انعكس احتفاء موازياً فى أرجاء السوشيال ميديا المصرية، طرح أسئلة مهمة تعكس حراكاً اجتماعياً مصرياً عنيفاً فى القاع ستتضح مظاهره على السطح قريباً، حراك وصراع ما بين خلع وفرض قناع سلفى وهابى خانق كان قد كتم كل ما هو مصرى جميل، وكتب عقد تصالح مع القبح والسواد، محاولة كسر قشرة صلبة من تقاليد وعادات صحراوية حجبت النواة المصرية الجميلة المحبة للفرح والبهجة، البنات ألطف الكائنات اللاتى هن فراشات ملونة، أراد لهن البعض مصير غرابيب الظلام، قرأت احتفاء البنات المصريات بمديحة كامل بنفس القراءة التى قرأت بها مظاهرة الحب التى حدثت لسعاد حسنى أثناء تشييع جنازتها، الحنين إلى نموذج الأنثى المصرية الجميلة الجذابة الرشيقة المحبة للحياة، وفى نفس الوقت نوستالجيا المرأة الخالية من آثار البوتوكس والفيللر والشد، المرأة التى لم يُصنع جمالها فى فرن جراحة الشد والنفخ، نوستالجيا وحنين إلى الصدق وعدم الزيف وعدم تدمير الـ«دى إن ايه» المصرى الذى لم يعرف إخفاء الهوية باسم الدين، والإلحاح على أن الجمال مرادف للابتذال، وأن المرأة المهتمة بجمالها هى امرأة تعرض بضاعتها للمارة وترخص نفسها.. إلى آخر تلك الهلاوس التى زرعها فى أمخاخنا تيار الفاشية الدينية والمزاج السلفى المصرى الذى تشكل فى ما بعد السبعينات، فصار مزاجاً سوداوياً متجهماً عبوساً، لدرجة أن المرأة نفسها باتت تعشق قيودها وتعبد إذلالها وتقبيحها وطمس هويتها، الاستحسان الاجتماعى غريزة مثل الأكل والشرب، وأن ترغب امرأة جميلة فى الاستحسان الاجتماعى وأن توصف بالجمال، فهذا ليس عهراً أو دعارة، وضباع الفاشية الدينية تفزع المجتمع بوصف الأب أو الزوج بكلمات حقيرة أكثرها تهذيباً الديوث!، هذا الإفزاع والإرعاب والتهديد غرضه أن تصبح الأسرة «احتياطى استراتيجى» لقهر تاء التأنيث، وأن تصير هى سيف مسرور الإضافى الذى يقطع رقبتها، مديحة كامل تمثل هذا النموذج المفتقد، تمثل فريضة الجمال الغائبة، المصريون يكتشفون فجأة أن جمال البنات مهم ومبهج ويضفى أناقة وشياكة على الجو والمكان، فى مدرجات الدورة الأفريقية كانت بنات مصر الجميلات هن زينة المدرجات وسر رونقها وحلاوتها وبهجتها، العين كانت مرتاحة ولم يكن المصريون يعرفون أو بالأصح كانوا يتجاهلون أن تلك الفراشات هن سر المنظر الجميل والمشهد المبهج، فرحة المصريين بفتيات السلة الفائزات وفريق الباليه المائى.. إلخ، توضع أيضاً فى هذا الإطار، الصور التى يتداولها المصريون على الفيس بوك لبنات الستينات، هى أيضاً عشق ونوستالجيا للشياكة والجمال والرقى والتمدن والحداثة، جمال الأنثى التى تاهت فى دروب التقريع واللوم وإحساس الذنب والتخويف بمشاهد العذاب والحرق وثعابين القبر وزفرات الموت، حتى أصبحت سجَّانة نفسها وعشماوى جسدها، وبالطبع لم يمر احتفاء «جوجل» بمديحة كامل مرور الكرام، فكان لابد أن يتدخل زبانية جهنم من المؤلفة قلوبهم كارهى الحياة وسماسرة الموت، للترويج لنموذج آخر لمديحة كامل المعتزلة فى أواخر أيامها، لكن هذا الترويج يحمل نفس رائحة الكذب وطعم الزيف الذى حاولوا به الترويج لمرحلة شادية المعتزلة وادعاء أن احتفاء الناس وحبهم الجارف لها كان تحية لتلك المرحلة حتى يمرروا عداءهم وكراهيتهم للفن، الجمهور ما زال يعشق ويحب مديحة كامل غادة السينما وفاتنتها، وسعاد السندريلا، وشادية القمر الأمورة الشقية، باختصار هناك حراك وتيار الآن يرفض الذوق المتدنى، ويعلن بجرأة وشجاعة أن الجمال ليس تهمة، والأنوثة ليست جريمة.