متطرفون شيعة يقطعون لسان مؤذن مسجد بنغالى فى البحرين، ومتطرفون مسلمون يبترون أذن قبطى فى صعيد مصر، وقبلهما أفراد من تنظيم القاعدة أتباع الزرقاوى يقطعون لسان رهينة مصرى فى العراق قبل نحره لكى لا يتلو الشهادتين ويموت كافراً!.. أحداث مرت مرور الكرام فى منطقتنا العربية وكلها تُعالَج بالعُرف والصلح أو الطناش، ولكن أين القانون؟، إنه فى إجازة أو غفوة أو رحل ولم يعد.

نعود إلى مصر وطننا ونركز حديثنا على هذا البلد الذى كان الأمن والأمان سره وتميمته وحصنه وأيقونته، فصار البتر والقطع وختان العقل قانونه غير المكتوب، أفزعنى وشلَّ تفكيرى حادث قطع الأذن الأخير، أفزعنى الأسلوب، أفزعنى الاستهتار بالقانون، أفزعنى كم الغل والهمجية اللذين يتم بهما العقاب والحساب والعتاب، وأفزعنى أكثر أسلوب الرد وطريقة العلاج والتحليل الإعلامى للحادث.

لو اعتبرنا الأمر مجرد خناقة ومشاجرة تصادف أن طرفيها مسلم ومسيحى، ليكن ولنضعها فى هذا الإطار ونبعدها عن دائرة الفتنة الطائفية ولنناقشها بمنطق خناقات الجيران التى يحدث مثلها كل يوم ألف خناقة فى طول مصر وعرضها، ولكن هل كان الحل لهذه الخناقة التى انتهت، بلغة النيابة، بجرح عمدى فى الأذن واعتداء جسدى على صاحب الشقة يحتاج إلى علاج أكثر من خمسة عشر يوماً، هل كان الحل هو سيادة القانون أم كان العرف والصلح؟! منذ طفولتنا ونحن نسمع عن حق المجتمع القانونى حتى لو تنازلت الضحية، أين ذهب هذا الحق؟ أسئلة كثيرة أخرى لابد منها لو اعتبرناها خناقة، لأنها ليست خناقة عادية، لعدة أسباب، منها التوقيت الحرج الذى حدثت فيه والظرف الدقيق الذى يمر به المجتمع الآن من احتقان، وهذا وحده كان سبباً كافياً وضرورياً.لابد من إعمال القانون بمنتهى الحسم والصرامة لوأد الفتنة فى مهدها. من ضمن هذه الأسباب أيضاً طريقة التنفيذ التى اختلطت بصبغة دينية تبناها بعض المتطرفين الذين وصفوها بإقامة الحد فى الشارع وفى العلن.. سبب آخر وهو الدلالة والرسالة التى يريد هؤلاء توصيلها إلى المجتمع: نحن القانون، نحن الذين نصدر الحكم، ونحن من ننفذ ونحن الذين نختار طريقة التنفيذ، سبب أخير أننا بعد الثورة نبحث عن احترام القانون بعد أن أُهدر على يد الفساد والمحسوبية ولا يصح أن تختلط مفاهيم الثورة المصرية بمفاهيم الثأر القبلى والانتقام العشوائى.

الكارثة الأكبر فى التغطية الإعلامية والردود التى انطلقت من الدعاة الذين استعانت بهم الصحافة والفضائيات للرد والتفنيد، لاحظ أنهم لم يستعينوا بقاض أو بأستاذ قانون أو حتى بمحامٍ أو عضو فى لجنة حقوق إنسان!! كل الضيوف وأصحاب الردود ومن طلب مشورتهم الإعلام، كلهم دعاة، تفاوتت الردود ما بين أن قطع الأذن ليس من الحدود، وأنه لا يجوز إلا عندما تُقطع أذن فهنا يكون القصاص بقطع أذن الخصم، وما بين أن ولى الأمر هو المنوط به اقامة الحد، والبعض قال إن الرجم والجلد هما وسيلة العقاب وليس قطع الأذن!!

لم يتحدث أحد عن نصوص القانون المصرى، لم يذكر أحد أنه لا يوجد فى هذه النصوص القانونية المصرية أى ذكر للحدود أصلاً، لم نسمع رأياً يدين العقوبات الجسدية وأخذ الحق بالذراع وأهمية الالتزام بسيادة القانون...إلخ، صمت الجميع وكأننا فى «طالبان» نستمع إلى الملا عمر أو فى تنظيم التكفير والهجرة نعطى البيعة لشكرى مصطفى!

هل نحن فى ربوع مصر أم فى كهوف تورا بورا؟!