وصلتنى من الباحثة التونسية المتميزة هاجر خنفير تلك الرسالة، وأترك المساحة لها لأهمية الموضوع: «احتد الجدل حول مفهوم الحريات الفردية وحقوق الإنسان داخل تونس وخارجها إبان صدور قرار رئيس الحكومة التونسى الصادر يوم 5 جويلية الفارط، والقاضى بمنع كل شخص غير مكشوف الوجه من دخول مقرات الإدارات والمؤسسات والمنشآت العمومية. ويعود هذا القرار إلى ما يتهدد أمن البلاد وسلامة مواطنيها من خطر الهجمات الإرهابية على غرار التفجيرين الانتحاريين اللذين استهدفا رجال الأمن فى يوم واحد، 5 جويلية، ونجم عنهما وفاة شخصين، وإصابة مجموعة من المواطنين وقد تبناهما نظام داعش. وتبعاً لهذا القرار فإن المنع ليس مطلقاً فى الزمان والمكان، بل هو مرتبط بظروف تستدعى أقصى الحذر أمنياً بما أنها مرحلة الإعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة من جهة، والموسم السياحى الواعد من جهة أخرى. ثم إن هذا القرار لا يخص إلا الفضاءات المؤسساتية، أى أنه لا يشمل غيرها من الفضاءات العامة كوسائل النقل، والملاعب، والحدائق العامة. ورغم ظرفية القرار وعدم إشارته إلى دال لباسى أو فئة اجتماعية محددين، فإنّه أفضى إلى نقاش يتعلق بمقوّمات المواطنة من قبول المختلف واحترام حقوق الفرد وحرياته ودولة القانون.. واللافت للانتباه أن المدافعين عن القرار والرافضين له يتفقان فى الاستناد للمرجعية ذاتها باعتبارها مصدر الحجة والحجة المضادة، فقد علل الخصوم موقفهم بأنه متضارب مع حرية اللباس، فكيف يُمنع النقاب والبوركينى، ويُسمح بلباس المينى جيب والبيكينى؟ ويضيفون إلى ذلك الرمزية الدينية لهذا اللباس، فيصير منعه شكلاً من أشكال محاربة الإسلام وعدائه، وانتهاكاً لحرية الضمير، ويرى بعضهم أنها محاولة عابثة فى مكافحة الإرهاب، لأن طرق التنكر تتجاوز اللباس فقد يكون الانتحارى يافعاً وقد يغير ملامحه بعملية تجميل، أو بخضوعه لقانون اللباس المتعارف عليه اجتماعياً. لا يتعلق الأمر بحيلة قانونية لإقصاء فئة من المواطنين (ات) ارتضوا الحضور الشبحى داخل الجماعة أو سبيلاً لقمع حرية الضمير التى تحيل عليها هذه الدلائل اللباسية (النقاب/ الجلباب)، أو محاولة اعتداء على الحرية الشخصية بإخضاع الجميع لإظهار الوجه، رغم أنه من أوليّات التفاعل البشرى.. بل هو قرار ضرورى ويحتاج إلى التعميم إن كنا ننتمى حقاً إلى دولة، فأى دولة تلك التى يكون أفرادها غير آمنين على وجودهم، أو ضامنين لحرمة أجسادهم؟ وكيف يطالب هؤلاء المدافعون عن ظلال البشر بحقوق يتعسّر الحصول عليها فى حال التوتر الأمنى؟ وإذا كان الانتحاريون قد اختاروا النقاب، أو اللثام، أو القناع أداة للاعتداء على حق الحياة، ففى ذلك نظر، إذ إن المنتقبة اختارت أن تكون بلا وجود مدنى، أى إنها تعكس بمرورها المحجوب فى الفضاء العام قطعاً مع العقد الاجتماعى، ونقطة عطّالة أو استقالة مدنية وتمثيلية جسد مشطوب، يرى كل شىء، وهو المتوارى عن العيون، ما يجعله أفضل طريقة لارتكاب الجريمة، أو لانتهاك العقد الاجتماعى. وهكذا فبين مَن اختارت النقاب لباساً، ومن اختاره قناعاً وجه اتفاق خطير هو اختيار الانفصال عن الحياة المدنية والنظر إلى المجتمع على أنه عالم عبور كريه تضطر هى إلى حماية نفسها منه بالنقاب، ويتعمّد هو طريق التكفير والتفجير، متوسلاً جسده الفانى أداة لإفناء أجساد المدنيين، فهل يحق لكارهى الدولة المدنية وأعدائها المطالبة بحقوق تخص مَن تمثلوا قيم المواطنة؟ وكيف لبعض أنصار الحريات وحقوق الإنسان أن يحتجوا ضد قرار يهدف إلى حماية حرمة الحياة؟».