العالم الآن يسعى إلى التخصص فى كل الأعمال والمهن، لم يعد هناك الطبيب الكشكول أو المحامى بتاع كله أو المهندس الفاهم فى العمارة والمدنى والميكانيكا.. إلخ، والصحافة ليست استثناء من هذا العالم التخصصى، صارت الصحافة تسعى وبقوة إلى توزيع التخصصات وتدريب المحررين على التميز كل فى مجال يصير هو ملعبه ومستقبله وبصمته الأساسية، فصرنا نسمع عن المحرر الرياضى والثقافى والتعليمى والاقتصادى والفنى والزراعى والدينى.. إلخ، إلا المحرر العلمى!!، هو البطة السوداء والمسكوت عنه والجمل الأجرب، وكأنه عورة أو جرسة فى مصر أن يتخصص صحفى فى العلوم ليبسط للناس أخبار العلم، ويعرفنا ما هى طريقة عمل هذا الدواء الجديد أو ذلك الاختراع الحديث، ما هى الأخطار المحتملة على البيئة، يعنى إيه ثقب أسود وكسوف وخسوف، ما هو العلم الزائف وكيف نكشف الدجالين.. إلخ، أقول هذا الكلام بمناسبة ما قرأته فى جريدة قومية كبرى وعريقة أثناء عمل تحقيق عن مبادرة صحة المرأة، تلك المبادرة الرائعة التى كانت تحتاج إلى تغطية إعلامية على نفس المستوى، ذكر التحقيق الصحفى أن الفحوصات هى «النانوجرام»!! والمقصود طبعاً الماموجرام، والـMIR والمقصود هو الـMRI، أما ثالثة الأثافى فكانت عينة الفسيولوجى التى أسمع عنها لأول مرة فى تاريخ الطب، وكتبها الصحفى بكل ثقة وكأنه يزف إلينا خبر اكتشاف عقار جديد لعلاج السرطان!، المهم أنه يقصد عينة الباثولوجى، كل هذه الأخطاء فى سطر واحد وما خفى كان أعظم، فلم أحتمل متابعة واستكمال القراءة لأخبركم بالمزيد من الكوارث، نحن نحتاج بالفعل إلى محرر علمى وبمنتهى السرعة والجدية، فهو إنقاذ عقلى قبل أن يكون تغطية صحفية أو حاجة إعلامية، منذ وفاة الصحفى الكبير صلاح جلال فى بداية التسعينات ونحن نفتقر إلى تلك النوعية الجادة المخلصة من المحررين العلميين، ليس مندوب الجريدة فى وزارة الصحة أو وزارة البحث العلمى هو الحل، لكن الحل هو فى تدريب وتجهيز محررين علميين مثل من نقرأ لهم موضوعات أغلفة «التايم» و«النيوزويك» التى تكون موضوعات علمية جذابة مكتوبة ببساطة لا تخل بالمعنى أو بالصرامة والانضباط العلمى، كيفية التدريب مسألة مطروحة على كليات الإعلام ونقابة الصحفيين، من الممكن أن تكون دورات تدريبية منتظمة، منهج منقول من جامعات غربية، إتاحة الاطلاع على تجارب الصحف والمجلات الأمريكية والأوروبية التى سبقتنا فى الاهتمام بهذا المجال، طرق كثيرة ومختلفة، لكن المهم أن نبدأ حتى لا تحدث فضائح أخرى فى ظل انحدار الاهتمام بالقضايا العلمية أصلاً فى الإعلام كله، فى ظل غياب شبه كامل للبرامج العلمية على الفضائيات، وأنيميا للثقافة العلمية فى إصدارات الكتب والترجمات بعد وفاة اثنين من كبار المترجمين لتلك النوعية وهما د. أحمد مستجير، ود. مصطفى فهمى، فى ظل هذا العطش والجفاف لا بد من تجهيز كوادر لتلك المعركة، ليست مبالغة، فهى بالفعل معركة إنقاذ عقل وانتشال وعى وتحرير فكر.