عيد ميلاد الكاتب الكبير وحيد حامد ليس مجرد احتفال وتورتة وإطفاء شموع و«هابى بيرث داى».. إلخ، إنه احتفال بأيقونة إبداع يزداد تألقها مع مرور الزمن، مثلها مثل جوهرة ماس تمنح ألقها أكثر كلما مسّتها بصمات السنين، مثل قارورة العطر المعتَّقة التى يلتصق أريجها بشغاف قلبك وتخترق مسام روحك ولو من مجرد نقطة أو رذاذ، ٧٥ سنة من العطاء والفن والتألق والنبوءات والمعارك والعناد، ثلاثة أرباع القرن وهو قابض على جمر الإبداع، لم يرتدِ ثوب الواعظ ولا الخطيب ولا سمسار الأخلاق أو تاجر السياسة، لم يراهن إلا على الفن والفن فقط، منذ أن حمل مجموعة قصصه القصيرة إلى يوسف إدريس، محملاً بغبار قطار منيا القمح، أشار يوسف إدريس إلى مبنى ماسبيرو قائلاً «مكانك هناك»، من وقتها وهو يعرف أن الدراما هى قدره وجنّته وجحيمه ونوره وناره، يهدى بمصباحها الحيارى ويكتوى بعذاب معاركها مع السلطة، أى سلطة تحت أى مسمى وبأى رداء. من الممكن أن تختلف مع وحيد لكنك لا تختلف عليه، بل على العكس تعود أكثر إعجاباً وفهماً، وقد حدث هذا معى شخصياً، وحيد حامد يقاسم معك الحب ولا يخاصم، يستوعبك بحضن المحب وطبطبته، وبأناة الحكيم وخبرة الفلاح الذى يحمل كل طبقات مصر الجيولوجية، تلك المحروسة التى لا ينضب بئر نفطها الفنى أبداً، مشواره يحتاج إلى مجلدات، وأتمنى أن يحالفنى الحظ وأسجل رحلة إبداعه الثرية والتى ستكون فى نفس الوقت إطلالة على تاريخ مصر فى ربع قرن. وحيد حامد ليس مثقفاً عادياً يرطن بالمصطلحات المعقدة، لكنه مثقف ملتحم بالناس، بسيط لدرجة استحالة التقليد من فرط البساطة، يمتلك راداراً حساساً فى منتهى الدقة، إنه زرقاء يمامة الفن المصرى، نبوءة فيلم «البرىء»، ثم نبوءة فيلم «طيور الظلام» التى تحالف فيها حزب السلطة مع الإسلام السياسى، نبوءة مسلسل «العائلة» هذا المسلسل العبقرى الذى دق ناقوس الخطر بأن الخلل فى الفكر لا فى الأشخاص، وبأن المواجهة الأمنية فقط لا تكفى، نبوءة مسلسل «أوان الورد» الذى رصد بذور الفتنة الطائفية وهى ما زالت فى التربة قبل أن تفاجئنا بثمار الكراهية والحقد الأسود والحصرم المر وصبار الشوك. وحيد حامد انتقل برشاقة راقص باليه بين الأشكال الفنية المختلفة من كتابة القصة إلى المسلسل الإذاعى إلى التليفزيونى إلى السيناريو السينمائى، حتى المسرح خاضه بروح السينما وقدّم عملاً كوميدياً، «جحا يحكم المدينة» الذى كان من أجمل أدوار سمير غانم. اليوم عيد ميلاد وحيد حامد، قبلة على جبينه الوضّاء، وتوسل إلى أنامله الساحرة التى جادت علينا بكل هذا الخير الدرامى والنعيم الفنى، توسل بأن يعود ليمتعنا ويعلمنا أن الفن الحقيقى سحر غامض لا يأتى بقرار ولا يولد قيصرياً. نحبك يا وحيد، ونحمد الله على أننا قد وُلدنا فى زمنك، وتشكل وعينا من فيض إبداعاتك.