كتب أحد الأطباء على جروب خاص بأصحاب البالطو الأبيض من جميع التخصصات بوست استغاثة. الطبيب الشاب يطلب إجابة عن سؤال علمى عاجل بالنسبة لمريض دخل عليه الاستقبال مخموراً يكاد يغمى عليه، ماذا يفعل معه؟، وهل دخل فى تسمُّم؟، وكيف ينقذه؟، وما هى الأقراص أو الأمبولات التى يعطيها لهذا المريض؟، سؤال مشروع وطلب يُشكر عليه هذا الطبيب الشاب الذى يطلب نصيحة علمية من مراجع ومجلات واستشاريين وأصحاب خبرة ومهنيين أقسموا على احترام آدمية المريض، فوجئت بالتعليقات التى كان معظمها سلبياً بل صادماً ووضيعاً وسافلاً ومفرغاً من أى إنسانية وبالطبع مفرغاً من العلم ذاته، المفروض أن هؤلاء أطباء شباب، ما زالوا يتذكرون قسّم «أبوقراط» الذى حثَّ على حفظ السر وصون الحياة والتعامل مع المريض كإنسان طلب منك العون والغوث فى لحظة ضعف وألم، التعليقات من نوعية «كنت اضربه برصاصة واخلص منه»، «أقم عليه الحد»، «الطشه قلمين»، «إزاى يعمل كده فى العشر الأواخر ده ابن كذا كذا ولا تسأل عنه وسيبه يموت»..... إلى آخر التعليقات التى لا يقولها ولا يتفوه بها بلطجية عصابة لا أطباء محترمين يعملون على خدمة المرضى!!، أنا بالطبع لا أُعمم فمعظم الأطباء فى غاية الاحترام والإنسانية ويقدسون مهنتهم، ولكنى أرصد ظاهرة صادمة خاصة فى أوساط بعض شباب الأطباء والذين للأسف لو فتحت صفحاتهم ستجدها مزينة ومزدحمة ومزركشة بالآيات والدعوات والأذكار.. الخ!!!، الظاهرة خطيرة وهى تخلِّى الطبيب عن البالطو الأبيض وارتداء جبة وقفطان الواعظ، مسرور السياف، منفِّذ الحدود، يتحول الطبيب الدرويش إلى عضو فى هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، يلهب ظهر مرضاه بكرباج الوعظ، يظل يعانى وهو الطبيب الدارس من وسواس الهداية وإسهال التبشير وهستيريا الوصاية، الطبيب أمامه مريض إنسان يجب عليه إنقاذه، هذا المريض ليس لك الحق فى التدخل فى حياته أو معتقداته، أو محاسبته وأخذ موقف منه أو الانحياز ضده لأنه تبنَّى معتقدات مختلفة عن قناعاتك الدينية أو الاجتماعية أو السياسية، مالَكش دعوة وماتحشرش مناخيرك أيها الطبيب فى اختياراته، نصائحك يجب أن تكون فى إطار الطب وتعديل خريطة جسده لإعادة التوازن وتحسين نوعية الحياة، لكى يعيش حياة أفضل ومدة أطول، كل هذه الإرشادات حتى لا يؤثر هذا على طريقة علاجك ويبنى سداً منيعاً أمام اختياراتك الطبية الأحسن والأفضل، الأخطر أن هذا الانحياز الأخلاقى والاضطهاد على أساس الاختلاف سيؤدى إلى خلل وتراجع فى البحث العلمى، فلو كان علماء الغرب قد حاسبوا مريض الإيدز على علاقاته الجنسية وتركوه يموت عقاباً له على فعلته الشنعاء، ما كان علاج الإيدز قد تطور وصار مفيداً لحالات تعيش الآن عشرات السنوات!، انقِذه أولاً ثم انصحه نصائحك الطبية من منطلق طبى لا دينى، لكن أن تكون طبيباً وبحجة حماية الدين والذود عن العقيدة تصبح غليظ الإحساس، جلفاً، قاسياً، والأدهى أنك تتخيل أنك بقسوتك ترضى الله!!!، فهذا رياء ونفاق وشر، هذا ليس التطبيب ولكنه الترهيب، هذه قمة اللاإنسانية والانحطاط، عالجوا أنفسكم من الانحيازات المسبقة والهوس الدينى، تعاملوا مع الأسرار الخاصة للمرض وليست الأسرار الخاصة للمريض.