يوم الجمعة الماضى وافقت هيئة الأغذية والأدوية الأمريكية على نزول أغلى دواء فى العالم إلى الأسواق من شركة نوفارتس واسمه «zolgensma»، وهو دواء جينى لعلاج مرض الضمور العضلى الشوكى الذى يصيب واحداً من كل عشرة آلاف، وسعره 2 مليون و125 ألف دولار!!، سيستخدم الدواء للأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنتين ويعانون من هذا المرض الوراثى الخطير الذى يسبب فقداً تدريجياً فى وظائف العضلات وصعوبة فى التنفس تنتهى بالموت، سبب المرض عطب جينى يؤدى إلى عطب فى الخلية العصبية للعضلة، الدواء يستخدم فيروساً لنقل النسخة البديلة للجين بالهندسة الوراثية، والجرعة مرة واحدة فقط عن طريق الحقن، ودافع مديرون تنفيذيون فى «نوفارتس» عن سعر العقار الجديد، وقالوا إن دواءً يعطى لمرة واحدة أكثر قيمة من أدوية باهظة الثمن وطويلة المدة تكلف مئات الآلاف من الدولارات سنوياً، وقالت الشركة إنها توفر لشركات التأمين الصحى خيار سداد سعر العقار على أقساط وكذلك استرداد المبلغ المدفوع إذا لم يجد العقار نفعاً، وخصومات على الدفعات المقدمة لمن يلتزمون ببنود التغطية القياسية، ويعول الرئيس التنفيذى لـ«نوفارتس» كثيراً على الدواء ويصفه بأنه يوشك على أن يكون علاجاً ناجعاً للضمور العضلى الشوكى إذا تلقاه الطفل فور الميلاد. لكن هناك بيانات كشفت عن أن مدة فاعليته من الممكن أن تمتد إلى نحو خمسة أعوام فحسب، وأحد أكثر الآثار الجانبية شيوعاً للعقار هو ارتفاع مستوى إنزيمات الكبد والقىء، وتطالب إدارة الأغذية والعقاقير شركة نوفارتس بوضع تنبيه على العقار باحتمال حدوث إصابة خطيرة فى الكبد، ومع إجراء الشركة المزيد من الدراسات قالت إنها عالجت حتى الآن أكثر من 150 مريضاً بالعقار الجديد الذى امتلكته بعد استحواذها على شركة أفكسيس فى العام الماضى مقابل 8.7 مليار دولار، ومن المتوقع من خلال محللى «وول ستريت» أن تبلغ مبيعات عقار زولجنزما مليارى دولار بحلول عام 2022. وهناك منافس قوى لهذا الدواء قد ظهر 2016 وهو الـspinraza من Biogen، هذا الدواء يتطلب حقناً منتظماً فى النخاع الشوكى يتكلف 750000 دولار فى السنة الأولى ثم 375000 دولار سنوياً طوال العمر، وهناك شركة روش التى وعدت بتقديم دواء لعلاج هذا المرض عن طريق قرص كل يوم بالفم وسينزل إلى الأسواق بحلول 2020، إننى أتحدث عن معجزات كانت أشبه بأفلام الخيال العلمى صارت واقعاً، وكأننى أسمع الآن قارئاً يتهكم قائلاً «ما تتكلم عن حاجة تنفعنا مش عن مرض نادر، مين اللى حيشترى دوا باتنين مليون دولار»!!، المشكلة أننا دخلنا فى زمن مختلف وعصر مغاير وحقبة ستدهس كل من لا يمتلك أدوات العلم، العلاج الجينى بالقص واللصق والاستنساخ والذى يتكلف مليارات الدولارات وعشرات السنين من البحث والعرق والجهد، صار هو الأمل، وصار هو عنوان المرحلة الجديدة، ستختفى رفوف الصيدليات التقليدية وسيذهب المريض فى السنوات القادمة إلى مراكز الصيانة الطبية لتغيير الجين التالف ووضع الجين السليم!، الأدوية ستصبح أسعارها بالملايين قياساً إلى كم الجهد المبذول والمليارات المدفوعة، ولذلك اشتركت إسرائيل مع شركات العالم فى أبحاث الأدوية الجينية فى المرحلة الثالثة وهى التى تجرى على المرضى، وذلك سمح لها بالمشاركة والاستفادة على مستوى الأطباء والصيادلة والباحثين وعلى مستوى المرضى، أما نحن للأسف فسنخرج من السباق وسيهملنا العالم لأننا حتى هذه اللحظة نضع عراقيل كارثية أمام تنفيذ التجارب السريرية فى مراحلها الأخيرة بحجة أن جينات مرضانا ماتتكشفش على غريب!!، وكأننا فى زيارة لشيخ قبيلة بدوية ونريد رؤية وجه بناته!!، تسونامى العلم سيجرفنا إن لم نلحق بسفينة النجاة، لا نريد أن ينظر العالم إلينا كبقعة من العالم تعتبر العلماء عصابة متآمرين، وتتهم شركات الأدوية بأنهم سفاحون ومصاصو دماء، فلنترك هذا الكلام العبيط التافه ولنلحق بعربة قطار العلم والحضارة الأخيرة والتى لو فاتتنا سنعض بنان الندم بعد فوات الأوان، وفى السوفالدى ذكرى وعبرة لأولى الألباب، فلولا هذا التعاون مع شركة الدواء العالمية التى منحتنا إياه والتى نتهمها هى وغيرها بأنهم دراكولا، لولاها لظللنا حتى هذه اللحظة نعالج بشرب بول الإبل وفعص الحمامة على السرة!.