ما يُقدَّم من محاولات إضحاك، سواء فى مسلسلات رمضانية أو فيما يسمى مقالب رامز جلال، لا ينتمى إلى عالم الكوميديا، فهذا الفن الراقى الصعب هو شىء آخر غير ما نراه، فن له قواعده ومعاييره وسر خلطته المبهجة، فأن يخاف شخص من شلال أو غوريلا ويخاف حتى يتوقف قلبه ويرتعش أو يحدث له إسهال أو تبول لا إرادى، هذا ليس من الكوميديا ولا باعث على الضحك والابتسام، وإنما هو شىء مثير للتقزز وموقظ لمشاعر السادية الغريزية التى نهذبها دوماً بالتحضر والرقى. ما كان يفعله إبراهيم نصر فى النسخ الأولى من الكاميرا الخفية كان أفضل وعلى الأقل فيه جهد كتابة وخلق موقف مفجر للتناقض، وباعثاً على الضحك الحقيقى غير الجارح وغير المهين، فمشاعر التشفى والانتقام السادى تنتابنا من حين لآخر، وهى مشاعر ورثناها عن إنسان الغابة الذى كان يسكن الكهوف ولا يحس بالأمان من الضوارى المفترسة، تظهر تلك المشاعر التى من المفروض أن رحلة الحضارة الإنسانية قد هذبتها فى بعض الأحيان التى نكون فيها سعداء بترعيب شخص أو إفزاعه أو إذلاله! ما يفعله هذا البرنامج يندرج تحت تلك اللافتة، ولو مددنا الخط أكثر ونظرنا إلى خريطة المسلسلات الكوميدية، أو ما يطلق عليها كذلك، نجدها كلها تعانى من خلل فى مفهوم المصطلح، أغلبهم لا يعرفون معنى الكوميديا، لا يعرفون أنه فن العقل أساساً على عكس الميلودراما التى هى فن يعتمد على الوجدان بالأساس، فلا يمكن أن تضحك إلا إذا تمت ترجمة الموقف الذى أمامك عقلياً، مثلاً عندما تشاهد «حواء الساعة ١٢» فأنت تعقد صفقة عقلية مع خشبة المسرح توافق فيها على أن شويكار التى أمامك هى غير مرئية ومن هنا تنبع وتتفجر المفارقات، كله بموافقة وترجمة العقل. الكوميديا سعادة، الكوميديا بهجة.. أما الضرب العنيف والشتائم القذرة...إلخ فهى قباحة وليست كوميديا، عندما أضحك حتى مرحلة الاستلقاء على القفا من إغماءة لاعب كرة أثناء مشاهدة غوريلا وهى على وشك افتراسه، إذن أنا أيقظت بداخلى مشاعر منحطة لا مشاعر راقية، أين مصدر الضحك والبهجة فى هذا المشهد؟! إن مثل تلك المشاهد تنزل بدلوها إلى بئر مشاعرنا الغرائزية الحيوانية الموغلة فى القدم وتصعد بها إلى السطح، أين البهجة الكوميدية فى أن أسمع صفارة «تيت» تخفى أحط الشتائم وألفاظ السباب؟! أين البهجة فى وصلة الضرب التى يتلقاها بطل العمل أو المقلب؟ أنا لست حزيناً على أصحاب بيزنس المقلب أو غاضباً منهم، ولكنى حزين على مجتمع أصبح ضحكه من خلال الخوف والرعب ومسح الأرض بإنسان والتنمر والتريقة عليه وعلى عيوبه الجسمانية وظروفه الاجتماعية... إلخ!، وغاضب ممن صارت بهجتهم تقتات على فتات مسخرة البشر وتحول مشاعر الشفقة عليهم والتعاطف معهم، التى كان من المفروض أن تولد داخلهم، إلى تصفيق وضحك وكركعة!! حتى الكوميديا صارت عملة مزيفة رديئة للأسف هى العملة المعتمدة القابلة للصرف فى بنوك فرجتنا.