عندما تكوّنت بذرة تنظيم الإخوان فى الإسماعيلية ١٩٢٨، لم يجهد حسن البنا نفسه فى اختيار طلبة جامعة ليكونوا نواة الإخوان الأولى فى مرحلة التأسيس، فقد كان هناك اعتقاد سائد آنذاك بأن طالب الجامعة محصَّن وعنده مناعة ضد الأفكار المتطرفة. تكوّنت المجموعة الأولى من حلاق ونجار ومكوجى وعربجى وعجلاتى وجناينى، مع احترامنا لكل تلك المهن، إلا أن القائمة الأولى خلت من وصف «طالب بجامعة فؤاد الأول» التى تأسست على أساس علمانى. بالطبع استقطب الإخوان بعد ذلك طلبة جامعة وثانوى، لكن اختيار «البنا» فى البدايات للبعد عن طلبة الجامعة له دلالة، الآن صار مستحيلاً أن نجد تنظيماً أو خلية إرهابية إلا وقائدها وعقلها المدبر طالب جامعة، وللأسف معظمهم طلبة كليات عملية مما يطلق عليها كليات القمة!! الأسباب كثيرة ولا يمكن حصرها فى مقال صحفى، فهى تحتاج إلى دراسة مطولة، لكن لو أردنا تلخيصها فى رؤوس موضوعات سنجد أن على رأس قائمة أسباب التطرف، تخلِّى الجامعة عن دورها كساحة تبادل حر للأفكار، وتحولها إلى زنزانة رأى واحد هو رأى الأستاذ الملخص فى مذكرة فيها الخلاصة أو المعلوم من الامتحان بالضرورة، يصير انتقال الطالب سهلاً من أستاذ الجامعة الذى لا يسمح بالرأى الآخر ويُسقط صاحبه فى الامتحان، إلى أمير الجماعة الذى يُقصى مخالفه، ومن الممكن أن يقطع رأسه إذا لزم الأمر. مذكرة الجامعة التى لا بد أن تُحفظ للنجاح وتجاوز الامتحان، تتحول إلى كتاب «معالم فى الطريق» الذى لا بد أن يُحفظ لدخول الجنة. كما صار الطلبة استنساخاً فى الجامعة سيصيرون كتيبة داخل التنظيم، لعدم طرح علامات الاستفهام وتكرار كلمة الثوابت والبديهيات والفزع من أى فكرة جديدة تحت مسمى الخوف من بلبلة الشباب وهستيريا الوصاية على هؤلاء الشباب باسم الأبوة والأستاذية. لماذا خريجو الكليات العلمية العملية التى من المفروض أنها منبع الفكر العلمى الذى هو بالضرورة ضد خرافات وهلاوس وضلالات تلك التنظيمات الإرهابية، لماذا هم القادة والمحرضون؟! إنها طريقة التعليم الجافة الخالية من العلوم الإنسانية وجدل الفلسفة الخلاق، يدرسون العلوم بطريقة ألفية بن مالك، ويجعلون الأفكار والنظريات العلمية حتمية مطلقة رغم أنها نسبية. وللأسف لا يُدرَّس تاريخ العلم للطلبة، فيعرفون المنتج (بفتح التاء) ولا يعرفون (المنتج) بكسر التاء، العالم الذى فكر وأنجز، كيف حفّزه السؤال، وكيف أرّقته الإجابة، يخرج طالب الكليات العلمية العملية مرهقاً من ماكينة التعليم الذى يعتمد على الحشو والتلقين، غير مستعد لتفنيد أو دحض أو تحليل أو مناقشة، يتحول إلى مُستقبِل سلبى، مجرد سلة تُلقى فيها نفايات تلك الأفكار الفاشية. قضية تطرف طالب الجامعة تحتاج موائد نقاش مستديرة، تحتاج إلى مفكرين وفلاسفة وعلماء اجتماع وسيكولوجى، تحتاج إلى جهد هؤلاء قبل جهد رجال السياسة، وإلى أن يحدث ذلك لا تندهشوا من طبيب ترك تطبيب وعلاج المرضى إلى قتلهم بُغية لقاء الحور العين، أو مهندس بدل أن يبنى بيتاً يفجره ويهدمه طمعاً فى الجنة.