يتردّد هذه الأيام أن هناك مبادرة مصالحة مقدّمة من بعض الإخوان، الذين فى السجون، وقد صار حديث المصالحة هذا أسطوانة مشروخة تصدّع أدمغتنا فى توقيتات مكرّرة ومحسوبة بدقة، وللأسف هناك أكثر من عرّاب من داخل تيارات تسمى تيارات ليبرالية أو يسارية يسوق ويسوغ ويبرر ويجمّل لتلك المصالحة، إنه صلح الخداع والتقية، مثلما خدعونا بالديمقراطية التى يكفّرونها، لكنهم استخدموها فقط سُلّماً للصعود، سرعان ما ركلوه بأقدامهم وأحرقوه، حتى صار رماداً، سيخدعوننا بالمصالحة المزعومة، للأسف هم لن يصالحوك حتى لو جعلت خدّك مداساً، لماذا؟ لأن الفكرة الإخوانية القطبية تكفيرية ترفض مصالحة المجتمع الجاهلى الكافر من وجهة نظرهم، ولمن يريد أن يتأكد، فليقرأ لسيد قطب، الأب الروحى الحديث لفكر التكفير، وسأعرض لكم بعض فقرات من كتابات «قطب» لضيق المساحة، ولمجرد إنعاش من يمتلكون ذاكرة السمك، وعلى من يريد الاستزادة الرجوع لكتابيه الشهيرين «معالم فى الطريق» و«فى ظلال القرآن»، ولكم الحكم بعد قراءة هذه الفقرات والإجابة عن سؤال مفصلى ومهم وحاسم، وهو: هل عدم المصالحة مع المجتمع الجاهلى عقيدة إخوانية أم لا؟، يقول سيد قطب: «ليست مهمتنا أن نصطلح مع واقع هذا المجتمع الجاهلى، ولا أن ندين له بالولاء، فهو بهذه الصفة الجاهلية غير قابل لأن نصطلح معه، إن أولى الخطوات فى طريقنا هى أن نستعلى على هذا المجتمع الجاهلى وقيمه وتصوراته، وألا نعدل من قيمنا وتصوراتنا قليلاً أو كثيراً لنلتقى معه فى منتصف الطريق، كلا إننا وإياه على مفرق الطريق، وحين نسايره خطوة واحدة، فإننا نفقد المنهج كله، ونفقد الطريق». «إن الإسلام لا يقبل أنصاف الحلول مع الجاهلية، لا من ناحية التصوّر، ولا من ناحية الأوضاع المنبثقة عن هذا التصور، فإما إسلاماً وإما جاهلية». «إن الانطلاق بالمذهب الإلهى تقوم فى وجهه عقبات مادية من سلطات الدولة ونظام المجتمع وأوضاع البيئة.. وحين توجد هذه العقبات والمؤثرات المادية، فلا بد من إزالتها أولاً بالقوة»، ثم يقول «إن الجهاد ضرورة لتحقيق ما يدعو إليه، وأنه يجب تحويل العقيدة إلى واقع تام حى متحرك، وفى تجمّع عضوى حركى، وفى تنظيم واقعى، وأن يكون محور التجمع الجديد تحت قيادة جديدة غير قيادات الجاهلية، لمقاومة المجتمع الجاهلى، وإزالته من الوجود، وإزالة الأنظمة والسلطات القائمة عليه». «إن العالم اليوم فى جاهليته كالجاهلية التى عاصرها الإسلام أو أظلم، إن كل ما حولنا جاهلية، تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم، حتى الكثير مما يحسبه الناس ثقافة إسلامية وفلسفة إسلامية وتفكيراً إسلامياً، هو كذلك من صُنع هذه الجاهلية، إن الجاهلية ليست فترة تاريخية سبقت بعثة محمد، صلى الله عليه وسلم، لكنها حالة تتكرّر كلما بعُد الناس عن منهج الله، واتبعوا الطواغيت، فحكام العالم بوصفهم الراهن كفار، والعالم أجمع فى وضعه الراهن ليس إلا دار حرب بالنسبة للمسلم، لأن دار السلام هى التى تنفّذ شريعة الإسلام». انتهى الاقتباس من منظر التكفير الأكبر سيد قطب، وأتمنى أن تنتهى أيضاً تلك الأسطوانة المملة من أزيزها السمج اللزج، فالإخوان تيار لا يعرف سوى الخداع الثعبانى والفاشية الدينية، لذلك لم نسمع ولن نسمع أن السرطان قدّم تصالحاً مع الجسد، لأن فى دمار الجسد حياته.