صرّح وزير التعليم العالى أمس الأول فى المنتدى العالمى للتعليم العالى بأن النهضة الحقيقية لن تتحقق إلا بالعلم، كلام جميل وتصريح مهم وجملة حقيقية ١٠٠٪، نشكره عليها جميعاً، وهو عالم فاضل وأستاذ جامعة متميز، لا خلاف على ذلك، لكن كيف ستتحقّق نهضة العلم والعلماء أساتذة الجامعة ينهشهم غول الكادر الخاص، والمرتب يكفى أول أسبوع بالكاد؟! يا وزير التعليم العالى، أرجوك نظرة إلى أساتذة الجامعة وكادرهم الخاص الموضوع منذ سنة ١٩٧٢، وقت أن كان كيلو اللحمة بأقل من جنيه، ولم يتغيّر حتى تلك اللحظة، يا معالى وزير التعليم العالى، وصلتنى رسائل لا حصر لها من معيدين ومدرسين وأساتذة مساعدين وأساتذة، تقطر ألماً وحزناً، لم أكن أتخيل لمجرد لحظة أن هذا هو حال مجتمع أساتذة التعليم العالى الذين من المفروض أن يكونوا «كِريمة» المجتمع، عندما كنت أسمع أو أقرأ عما يسمى الكادر الخاص كنت أرى حسداً يطل من عيون وتعليقات أصحاب النميمة على جنة المميزات التى يعيش فيها هؤلاء الأساتذة والدكاترة، ونعيم كنز وفردوس الكادر الخاص، وأفقت بعد معرفة الحقيقة، على كارثة أن هذا الكادر الخاص ما هو إلا خازوق بمعنى الكلمة! هل يُعقل يا سيادة الوزير ونحن فى عام ٢٠١٩، أن الكادر الخاص لأعضاء هيئة التدريس 48 جنيهاً مربوط تعيين المعيد - 63 جنيهاً مربوط تعيين المدرس المساعد - 84 جنيهاً مربوط تعيين المدرس - 114 جنيهاً مربوط تعيين الأستاذ المساعد - 140 جنيهاً مربوط تعيين الأستاذ - علاوة سنوية 3 جنيهات للمعيد و5 جنيهات علاوة للماجستير - 5 جنيهات علاوة للدكتوراه - 5 جنيهات بدل جامعة إقليمية لجامعات الأقاليم تشجيعاً على تعميرها - 2 جنيه وربع محاضرة المدرس إذا انتُدب فى جامعة أخرى - 375 قرشاً محاضرة الأستاذ إذا انتُدب إلى جامعة أخرى - 84 جنيهاً مكافأة الإشراف على الرسالة - 84 جنيهاً مكافأة مناقشة الرسالة - تصحيح ورقة الامتحان بجنيه!!!!!!!، هذه اللائحة العظيمة كنز على بابا الملىء بالياقوت والمرجان قد صدرت عام 1972، يكفى أن تقرأ تلك الرسالة لتعرف إلى أى مدى وصل حال أستاذ الجامعة المصرى الذى صار لا صيت ولا غنى ولا بريستيج، ولا حتى حد الكفاف، الذى يكفيه ذل السؤال!، تقول الرسالة الحزينة: الحقيقة الموجعة يا سيدى، وأنا أحد الباحثين العائدين من بعثات بالخارج أنفقت بلادى علىّ خلال فترة ابتعاثى عشرات الآلاف من الدولارات حتى أصبحت نداً منافساً لأنبه العقول فى العالم فى أعلى درجات العلم ومحافلها بمجال تخصصى، وبكل أسف مضطر الآن بعد عودتى إلى تجميد كل تطلعاتى، التى فجرتها تجربة الدراسة بالخارج؛ لأننى بدخل شهرى يقارب ٣٠٠ دولار لا يمكننى مجرد الاحتفاظ بعضوية الروابط والجمعيات العلمية الدولية، التى كنت أشارك فى محافلها، متحدثاً ومحكماً ومناقشاً ومنظماً؛ ناهيك عن الاستمرار فى المشاركة والاحتكاك والنشر العلمى. والسؤال الذى يحيرنى: إن لم يكن القائمون على أمر التعليم العالى والبحث العلمى فى بلادى يتوقعون منى الوصول إلى مستوى علمى عالمى، ومستعدين لمساندتى لأحافظ عليه؛ فلماذا أنفقوا هذه المليارات علىّ وعلى أمثالى من المبعوثين فى وقت كانت فيه بلادى فى أشد العوز وأقسى الفاقة. بئس القوم نحن إن لم نجعل نهضة مصر العلمية أولى أولوياتنا!. انتهت رسالة من ضمن آلاف الرسائل لصفوة تصرخ وتئن، مطلوب من تلك الصفوة الاحتفاظ ببدلة أستاذ الجامعة الشيك المحترمة النظيفة البرّاقة فى بركة طين الغلاء، مطلوب منهم مواجهة ديناصور متطلبات الحياة بسيف خشبى مكسور، هذا هو حال كادر الجامعة الذين بأيديهم إنقاذ مصر، لكن للأسف أيديهم مرتعشة مذعورة مفزوعة من اليوم، الذى ستمتد فيه للتسول، بدلاً من كتابة الأبحاث.