فيلم قصير شاهدته أمس فقط، رغم أنه قد عُرض منذ فترة فى مهرجان الجونة.. «ماتعلاش عن الحاجب»، فيلم قصير بسيط يتعرّض لتفصيلة حياتية قد يراها البعض عادية وعابرة، لكن الفيلم جعل من بقعة الضوء تلك كشّاف نور ضخماً يُعرّى صراعاً دفيناً مع أكثر ما يخصّنا حميميّة وهو الجسد، يتضاعَف الصراع ويشتعل الكبت إذا كان هذا الجسد تمتلكه امرأة، هل الجسد لحم خطيئة أم نافذة بهجة؟، هل الجسدُ كتلة نجاسة أم طاقة فرح؟، هل الجسد سجن غريزة أم تحليق حيوية؟ هذه الأسئلة وغيرها يطرحها هذا الشريط السينمائى القصير الذى لا يتعدى ثلث الساعة، كتبه بذكاء ولماحية وبساطة آسرة السيناريست هيثم دبور، وأخرجه بحرفية وإحساس وفهم لأبعاد القضية المخرج تامر عشرى، بدون حنجورى، أو كلاكيع، أو شعارات ضخمة، أو كلام تراثى مجعلص، أو خطب نسوية حراقة. تقدم الفيلم وتوغل فى أدغال عقد مجتمعنا النفسية، يبدأ الفيلم بلقاء الفتاتين المنتقبتين «سالى وعائشة»، «سالى» متزوجة تنتظر وضع حملها قريباً، وجاءت لتشترى ملابس للضيفة القادمة، «عائشة» صديقتها ما زالت آنسة تقترب من محطة العنوسة ببطء، عدة جلسات رؤية شرعية تنتهى دوماً باعتذار العريس المنتظر، «سالى» و«عائشة» طبيبتان، كل واحدة حصلت على تصريح المهنة، لكن «سالى» هى التى حصلت على تصريح «النمص»، والسبب أنها متزوجة، والفتوى تقول إن نمص الحواجب حلال إذا كان يسرّ الزوج وبأمره، لكن ماذا تفعل «عائشة» التى لم تتزوج بعد، ولم تحصل على التصريح بإزالة شعر حاجبيها الغليظين، علامة النفور، تكره هذين الخطين المتقابلين وتحلم بنظارة شمسية فوق النقاب لإخفاء أى أثر لهما، كتبت «بوست» على جروب الأخوات المغلق تطرح فيه سؤالاً عن الشىء الذى تتمنين فعله لو لم يكن حراماً، أثار البوست ضجّة، لكن صاحبته لم تُجب بأنها تحلم بتهذيب حاجبيها، للحصول على شكل أجمل. تهدّدها «سالى» بأن التزامها سيضيع، وأسرتها ستتهمها بالانحراف، وأنها ستصبح عاصية لله ورسوله، لأنها غيّرت خلق الله، فهى تمشى على الصراط المستقيم، لا تضبط جوالها على وضع «الفيبريشن»، لما يحمله من إيحاءات جنسية فتدعو لها «سالى» بالثبات على إيمانها، وهى تحب الآيس كريم فى بسكويت، لكن «سالى» تذكّرها بأن لحس الجيلاتى فى البسكويت، يجعلها فتاة سهلة يظن بها الظنون!! تقترب «عائشة» من الثلاثين بدون تحقيق حلم واحد ترغبه هى بجد، تلبس قناعاً على الوجه والروح، تراقب «سالى» التى تحررت بالزواج، وصارت فى ملكية سيد آخر غير الأب، هى انتقلت ملكيتها، لكنها ما زالت أسيرة تنتظر حلم النكاح. تحررت «سالى» وتذهب منفردة لكوافير السيدات الأخوات فى المول، تجد «عائشة» نفسها مدفوعة إلى الكوافير، تسأل عن سعر النمص، تمسك بالمسبحة الإلكترونية وتحسب عدد مرات الاستغفارات والسبحانات والتكبيرات كلما أرادت أن تتخذ هذا القرار المصيرى، لكنها هذه المرة لم تحسبها، وعرضت نفسها للعنة السماء، حيث ستُعذب بكل شعرة منزوعة من حاجبها الكثيف. ينتهى الفيلم بسؤال الكوافيرة لـ«عائشة»: «نبدأ يا آنسة؟»، تطل الحيرة من عينى «عائشة» المثقلتين بالذنب، وهى تنظر فى المرآة تحاول إقناع نفسها بأن ما تراه فى هذا السطح المصقول اللامع هو ما تحبه فى وجهها، هل ستعلو عين الرحمة والحب والطمأنينة على حاجب الرعب والخوف وحاجز الفزع واللعنة؟، هل سيسقط ما يحجب عنها الحياة، وتظل تعيش حفلة تنكرية بطول العمر، اسمها العيشة؟.