معظمنا له أصول ريفية يعتز بها، لكن هل كل القيم الريفية التى توارثناها نافعة ومجدية فى بناء المدينة الاجتماعى قبل المعمارى؟، هناك قيم معطلة لهذا التمدن ومعوقة له، على رأسها عدم احترام الخصوصية والفردانية التى هى أولى أبجديات الحداثة، ومن يحلل سلوكيات الإخوان الصادمة للوعى الجمعى المدنى أو المتمدن يجد معظمها مستمداً من ظاهرة الترييف التى سيطرت على المجتمع المصرى الذى كان يمشى فى الاتجاه العكسى من قبل وهو تمدين الريف، نظرة بسيطة على ما حدث لمدينة الإسكندرية تعطيك صورة فوتوغرافية مقربة لظاهرة الترييف، ونظرة أخرى على اعتصام رابعة بعيداً عن مدلولاته السياسية، عندما فتح سكان رابعة نوافذ شققهم على الموجودين فى الميدان، اندهشوا وانزعجوا من السلوكيات، هم كانوا يعيشون تلك السلوكيات الاقتحامية من قبل فى كافة المؤسسات، لكن الفرق هذه المرة هى رؤيتهم لظاهرة الترييف وما أفرزته من سلوكيات لايف وعلى الهواء مباشرة، كنت أنتظر منذ فترة دراسة من عالم اجتماع لتلك الظاهرة وسعدت جداً عندما وجدت ضالتى فى المقال البديع المهم لأستاذ الاجتماع الكبير د. أحمد زايد فى الأهرام، فهو بمثابة مقدمة مهمة وخطة عمل مقبلة لتحليل وقراءة تلك الظاهرة التى تفسر لنا الكثير مما يشلنا حضارياً عن الانضمام للحداثة، أدعوكم لقراءة مقال د. زايد فى أهرام أمس السبت بهدوء واهتمام ليس لمجرد التسلية العابرة ولكن للاستفادة منه فى وضع بروتوكول بحثى وعلاجى لأمراضنا الاجتماعية المستحدثة، ولاستعادة قيم المدينة التى كانت أساس التحرر من قيم العصور الوسطى الإقطاعية والدخول إلى عصر التنوير، أقتبس بعض عبارات هذا المقال المهم عن الترييف للدكتور أحمد زايد للإشارة إلى أهمية علم الاجتماع فى النهضة التى نتمناها والتى ليست أبنية أو طرقاً فقط ولكنها الإنسان الأهم والأخلد والمستخدم لتلك الطرق والمبانى، يقول د. زايد: «تبدو المدينة فى حالة الترييف وكأنها قرية كبيرة، لم تنقلها عمليات التحضر إلى مدينة يتفاعل فيها السكان فى ضوء معايير مدنية، أو ثقافة حضرية تقوم على العلاقة المتوازنة مع المكان، والتجانس العمرانى، واحترام الخصوصية والفردية، بحيث يبدو الأمر وكأن ثقافة السكان الريفية هى التى تطغى عليهم.. وثمة مظاهر عديدة تكشف وجود هذه الحالة. من أول هذه المظاهر العلاقة غير المتوازنة مع المكان الحضرى، كالشوارع أو الأماكن العامة، فهذه الأماكن يتم التعامل معها على أنها أماكن متروكة لا صاحب لها. ولذلك فإنها عرضة لأن تستملك وأن تلقى فيها كل صنوف المخلفات البشرية، وعلى صاحبها أن يقوم باستعادتها إذا استملكت، أو بتنظيفها إذا اتسعت لتكون سلة مهملات عريضة». انتهى الاقتباس ولكن الدراسة الحقيقية لم تبدأ بعد.