مصر هى البلد الوحيد الذى يموت فيه الشخص ويُكتب نعيه عشرات المرات قبل موته الحقيقى!!، بالأمس انتشر خبر رحيل الكاتبة الكبيرة المناضلة د. نوال السعداوى، وسرعان ما انتشر الخبر على وسائل التواصل وتداولته المواقع، ولأن هذا الخبر قد كُتب فى السنوات الأخيرة عدة مرات وبنفس الصيغة، ذهبت لأتأكد من المقربين للدكتورة نوال، وعرفت أن الخبر «فشنك» كالعادة، وقد انتشرت فى مصر فى السنوات الأخيرة أخبار موت الفنانين والمشاهير الكاذبة بشكل سرطانى، بحيث أستطيع أن أقول وبكل ثقة إنه لا يوجد فنان أو شخصية عامة قد رحلت إلا وخبر وفاتها قد كُتب قبلها بسنوات وشهور عدة مرات، وحتى من هو على قيد الحياة مثل الفنان الكبير عادل إمام لم تُكتب له النجاة من تلك الشائعات. صار سؤال هو مات بجد ولا كده وكده؟ على لسانى دائماً عندما أستقبل خبر وفاة شخصية شهيرة!!، أصبحت أستقبل مثل تلك الأخبار مثل القرية التى كان الراعى فيها يضحك على الناس منادياً إياهم فى الحكاية الشهيرة، مستنجداً من الذئاب، إلى أن وقعت الواقعة وهجمت عليه الذئاب فعلاً فتركوه نهباً لها، المشكلة لم تعد فى مطلق الشائعة ولكنها أصبحت فى من يستقبلها بالترحاب والنشر، فينا نحن، هناك أشرار كثيرون قساة القلب، أجلاف الحس، ينشرون الشائعات، خاصة عن الفنانين والمبدعين من باب الانتقام والرغبة فى التشفى، وأمنيات التخلص منهم ليتفرغوا هم لتزييف وعى الناس ومسح أدمغتهم والانفراد بعقولهم بعيداً عن تأثيرات الفن والفكر والإبداع، لكن مثل هؤلاء موجودون فى مجتمعات كثيرة، فلماذا لا تنتشر مثل تلك الأخبار الكاذبة والإشاعات السخيفة المدمرة إلا فى مجتمعنا؟، لماذا صرنا مجتمعاً سهل الاستهواء والاستغباء؟، سهل القابلية للانخداع والضحك عليه وقيادته عبر بوست أو تويتة كقطيع مغمى الأعين مسدود الآذان؟ للأسف نحن ما زلنا مجتمعاً شفهياً بكل أمراض الشفاهية، ما زلنا مجتمعاً بدائياً تقيد أدمغته أقفال وترابيس العنعنات، ما زالت روح منهج التفكير العلمى المعتمد على الشك لم تتسرب إلى نخاعنا العقلى، ما زلنا أسرى التفكير بالتمنى لا بالواقع، نكره الأفكار العلمية النسبية ونعشق الأفكار المطلقة، ننفر من التجريب والمعمل والرقم والإحصائية والمراجع والتوثيق والحفريات، وننجذب إلى الجن والعفاريت والمعجزات والمطلقات التى لا تحمل أى إثباتات علمية، ندمن الأكاذيب المريحة ونصوم عن الحقائق المقلقة، لا نريد بذل أى جهد للتأكد والتوثق من أى معلومة، مصادرنا موثوق منها ما دام فلان الذى نثق فيه قد قالها، إغراء إغواء الشائعات يثير فينا النشوة، لكنها نشوة ذكر النحل الذى يودع الحياة بعدها.