عندما اختار المخرج صلاح أبوسيف الفنان أحمد مظهر فى دور سائق القطار فى فيلم «لوعة الحب» سنة ١٩٦٠، لم يكن غرضه تقديم تناقض كوميدى، أو فيلم خيال علمى، أو كارتون مضحك من فرط اللاصدق، بل كان يعبّر عن حقيقة سارية حاضرة فى واقع تلك الأيام، وهى أن سائق القطار هو نموذج فارس، وقد كان أحمد مظهر هو الفارس النبيل الذى يقترب من الأرستقراطية، الصورة الذهنية لو لم تكن صادقة لما استقبلها جمهور تلك الأيام بحفاوة، النمط السينمائى لسائق القطار لو لم يكن معبراً عن هذا الزمن، لخاصمه المشاهدون، «أبوسيف» قدّم هذا الشكل لـ«مظهر» كبديهية سائدة لأن موضوع الفيلم كان شيئاً آخر، هو جفاء التعامل من السائق لزوجته، الذى جعلها تقع فى حالة عشق مع مساعده، يعنى مشكلة السائق كانت فرط الجدية وفرط الإخلاص فى العمل!!!!، نقولها ثانية فرط الجدية والتركيز والانتباه وعدم الاهتمام إلا بعمله، مما جعل الزوجة تحس بالملل، تخيلوا الزوجة كانت شادية، والمساعد كان عمر الشريف!!، هل يقبل جمهور هذه الأيام ويصدق فيلماً بطولة أحمد عز فى دور سائق القطار، وكريم عبد العزيز فى دور المساعد؟؟!!، أترك لكم الإجابة، أنا لا أتحدث عن مجرد فيلم على شريط نيجاتيف، لكننى أتحدث عن رؤية مخرج صفته ملك الواقعية، وعن استقبال جمهور إن لم يصدق أو أحس بالكذب كان سينصرف عن الفيلم، لكن الفيلم حاز على جماهيرية كبيرة. صلاح أبوسيف قبل أى فيلم كان يجلس ويخالط المجتمع الذى سيتحدث عنه، اتفرجوا على الفيلم ولاحظوا تركيز أحمد مظهر فى القيادة، واحترام، بل ورعب المساعد عمر الشريف منه، والإجهاد الذى يظهر على السائق عند عودته للبيت، من الممكن أن يكون جاف التعامل، لكنه أبداً لا يمكن أن يكون مهملاً أو مغيباً، لا يمكن أن يقول فى برنامج تليفزيونى ما قاله علاء فتحى: «ماكنتش عامل احتياطاتى» أو «نزلت أتخانق مع زميلى وسايب دراع الجرار شغال»، أو «رُحت البيت نمت وكنت جاى أطمن بكرة»!!!، كم تقزّمنا وكم تقزّم الأشخاص، وكم تمزّق النسيج الاجتماعى، وكم تكاثر فيروس اللاانتماء والإهمال واللامبالاة، هذه ليست قراءة سينمائية لفيلم، بل هى بكائية على زمن.