كنا نظن أن رمضان هو جنة المسلسلات، يظل المنتجون مترقبين قائمة المبشرين بالعرض الرمضانى، وإذا خرج أحدهم من هذا الماراثون ظل يندب حظه كالثكالى والأرامل على مقبرة حلقاته الثلاثين!، لم يبذل أحد طيلة تلك السنوات جهداً للتخلص والتملص من هذا القدر الإغريقى السرمدى الرمضانى وكأنه مصير مكتوب فى اللوح المحفوظ!، أخيراً تم كسر تلك الأسطورة بعدة مسلسلات، شاهدت منها مسلسلاً جذبنى منذ أولى حلقاته، وهو مسلسل «أهو ده اللى صار»، مسلسل مختلف بالفعل، مكتوب بحرفية ومهارة ونفس روائى وحبكة موزونة بميزان الذهب، السيناريست عبدالرحيم كمال أبدع فى توازى الزمانين ولم يفلت منه الخيط، انتقال درامى سلس بين زمن الحرب العالمية الأولى وزمن الحاضر، بين الطربوش والجينز، بين رسالة البوستة والواتس آب، حوار شاعرى رشيق بين شخصيات يوسف ونادرة وعلى بحر وأصداف.. إلخ، بين ابن الباشوات وبنت السفرجى، وبين الموسيقار والراقصة، لم يستخدم التفاوت الطبقى لابتزاز المشاعر بفجاجة، ولكنه استخدمه لبيان التناقض وعزف لحنه العاطفى الخاص برقة ونعومة، أبدع حاتم على المخرج العاشق لتلك الفترات التاريخية المحملة بعبق النوستالجيا، خدمت الصورة وأثرت السيناريو وأثّرت فيه، الممثلون عزفوا أوركسترا «أهو ده اللى صار» بمنتهى الإبداع، الفنانة روبى مدهشة، عصير مصرى مركز لا يحتوى على مكسبات الطعم الأفرنجية، عين نافذة مغناطيسية تطل منها علينا بنعومة وتلقائية وفطرية، ونطل نحن عليها بحب، نصدقها وهذا يكفى، أرشحها لتكون بالفعل نجمة مصر الأولى، وأعتقد أنها قد دشنت نفسها لهذا المركز بعد هذا المسلسل، سوسن بدر التى وصفها شادى عبدالسلام بالهاربة من المتحف، وجه فرعونى وكأنه خارج تواً من معبد من معابد الأقصر، تجسد دور خديجة هانم بكل كبرياء وشياكة ورقى، أحمد داود نجم صاعد بثقة، صاحب ابتسامة مريحة وأداء سهل، لا يحزق ولا يستعرض عضلات، محمد فرج منذ أن لمحته فى قهوة سادة تنبأت بأنه جوكر جيله، «أهو ده اللى صار» مسلسل يستحق المتابعة، كسر القاعدة الرمضانية، وخرج عن المألوف زمنياً ودرامياً، سعيد بأن أشم مرة أخرى عطر مسلسلات أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبدالحافظ فى هذا الثنائى المبشر عبدالرحيم كمال وحاتم على، الدراما المصرية ولادة ولن تموت برغم كل الصعاب والمعوقات.