دائماً ما يُشهر الذكوريون فى وجهك المقارنة الشهيرة التى يظنونها مفحمة، وهى سؤالهم الخالد «من هم الأكثر عدداً، المبدعون الرجال أم المبدعات النساء؟»، الإجابة بالطبع أنهم المبدعون الرجال، بعد الإجابة تلمع عينا السائل المتحفّز المتحدى وتنتفخ أوداجه من نشوة الانتصار، وهو يظن أنه قد أخرسك بمنطقه، لكنك للأسف لم تكتشف أن منطقه معوج مسموم مخادع ومراوغ وكاذب، وقد فضحت هذا المنطق المراوغ الكاتبة العبقرية فيرجينيا وولف فى كتابها «غرفة تخص المرء وحده»، حين حكت حكاية جوديث شكسبير، وهى شخصية خيالية، مفترض أنها أخت شكسبير، حكتها لتوضّح أن امرأة لديها موهبة، مثل شكسبير كانت ستُحرم من فرصة تطويرها، شأنها شأن الكاتبة التى بقيت فى المنزل، بينما ذهب إخوتها إلى المدرسة، فـ«جوديث» أيضاً قد حوصرت فى المنزل «كانت جوديث مغامِرة، مبدعة، محبة لرؤية العالم كما كان. لكنها لم تُرسَل إلى المدرسة قط».. فى الوقت الذى يتعلم فيه «ويليام»، كان يتم انتقاد «جوديث» من قبل والديها إذا حدث أن التقطت كتاباً؛ فهذا حتماً سيعطلها عن بعض الأعمال المنزلية. تمت خطبة جوديث، وكلما أبدت عدم رغبتها بالزواج، يهاجمها والدها، ويجبرها على الزواج. بينما يؤسس ويليام نفسه، تكون جوديث محاصرة بما هو متوقع من النساء، فتهرب من البيت إلى لندن. وعندما تحاول أن تصبح ممثلة، تتعرض للمضايقة والسخرية، ثم تصبح حاملاً من قبل مُخرج قال إنه سيساعدها. وفى النهاية تقتل نفسها «وتُدفن الأكاذيب فى بعض الطرق المتقاطعة، حيث تتوقف الحافلات خارج منطقة إليفانت آند كاسيل». ويستمر ويليام شكسبير فى حياته، وينجح ويصبح أشهر كاتب مسرحى فى العالم، صارت لدينا عشرات الملايين من شقيقات شكسبير، تحرمن من الفرص، يتم طحنهن فى ماكينة الكنس والمسح والطبخ منذ الطفولة فى كتاب القراءة، عادل يقرأ ويعمل وسعاد تكنس وتطبخ، ثم أعباء الزواج، مطلوب منها نهاراً أن تكون زوجة وخادمة وأماً ومربية ومدرسة، وليلاً راقصة وخبيرة مساج!!، تربطها بألف سلسلة وتغطيها وتحجزها وتربيها ذهنياً وثقافياً على تجهيز نفسها للشحن إلى قطار بضاعة النكاح فى مشروع تسمين الدجاج الأنثوى، ثم تتساءل بكل بجاحة لماذا عدد المبدعات فى تاريخنا قليل؟، أخت شكسبير صارت لدينا أخت المتنبى، ثم أخت الشيطان المستباحة التى تغوى ومكانها البيت أو القبر، الشقيقة التى ما زالت تصرخ مطالبة بحريتها، فقط اتركوها فى حالها.