قنبلة الدخان التى يطلقها حاكم الدولة الدينية هى عبارة «تطبيق الشريعة»، للتغطية على رغبته فى الاستحواذ على الحكم وترسيخ ديكتاتوريته، الحكم بالحق الإلهى بالطبع يمنح السطوة ويمنع المناقشة ويرسّخ الإذعان والخنوع، وقد فهم «نميرى» هذه الحيلة الماكرة، ومررها للسُذّج، فصفّقوا وحاولوا تفسير رغباته الديكتاتورية بأنها مرحلة تمهيد وقتية قبل حصد الرخاء الذى ستوفره بركة تطبيق الشريعة. أمر الإمام نميرى بتعديل المادة 115 من الدستور، التى كانت تجيز محاكمة رئيس الجمهورية إذا اتّهمه ثلث أعضاء البرلمان، صارت المادة فى ظل الشريعة النميرية لا تجوز مساءلة رئيس الجمهورية أو محاكمته، أما المادة 128، التى كانت تقول إن رئيس مجلس الشعب ينتخبه أعضاء المجلس، فقد صارت بعد التعديل يعيّنه رئيس الجمهورية، أما المادة 178، فقد تم تعديلها إلى صيغة هلامية عجيبة ومدهشة، فقد كانت صيغتها قبل التعديل أن القضاء مستقل ومسئول أمام رئيس الجمهورية، وصارت بعد التعديل «القضاء مسئول مع رئيس الجمهورية أمام الله»!!، ولو سألنا عن الآلية التى سيُحاسب بها القضاء والرئيس دنيوياً أمام الله، فلن يمنحنا أحد إجابة شافية، وعلى الشعب أن ينتظر إلى يوم القيامة. أما المادة 220 فهى الطامة الكبرى، نقض البيعة للإمام خيانة عظمى!!، عُدنا إلى عبارات البيعة التى تعنى فى المفهوم النميرى للشريعة الخضوع التام وإلغاء العقل.. مجرد المناقشة أو حتى الاستفسار من الممكن أن يفسر نقضاً للبيعة وخروجاً على ولى الأمر، سيصبح المعارض لقبه الجديد طبقاً للشريعة، هو الخارج المارق الناقض للبيعة، الذى شق عصا الطاعة لولى الأمر. دخل المفكر الراحل فرج فودة فى كتابه «قبل السقوط» معركة مع مؤيدى حكم «النميرى» الذين فرحوا به لمجرد إعلانه تطبيق الشريعة دون وعى أو تحليل أو رؤية لما وراء استغلال هذه العبارة، وكان إعدام المفكر الإسلامى محمود طه بإمضاء الإمام النميرى، وفيلسوفه التنظيرى الترابى، هو فصل الخطاب فى كشف القناع الذى يرتديه هذا النظام، ورغم ذلك لم تهتز شعرة للمؤيدين وقتها لـ«نميرى» هنا فى مصر، لم يفهموا، أو بالأصح فهموا وأغفلوا عامدين متعمدين حتى يبقى لعبارة «تطبيق الشريعة» بريقها الخلاب. مفكر إسلامى يُعدم من أجل فكره بتهمة الردة! شىء لم يحدث فى تاريخ الدولة الحديثة على الكرة الأرضية، تم إعدام هذا المجدد، لأنه قال عن الحجاب والجهاد وعزل المرأة إنها ليست أصولاً إسلامية، أعدم لأنه قال بشجاعة نادرة أمام المحكمة دون محاولة اعتذار، وهو يعرف أن مصيره حتماً إلى المشنقة: «أنا أعلنت رأيى مراراً فى قوانين سبتمبر 1983، من أنها مخالفة للشريعة والإسلام.. أكثر من ذلك، فإنها شوهت الشريعة، وشوهت الإسلام، ونفرت عنه.. يُضاف إلى ذلك أنها وضعت واستغلت، لإرهاب الشعب، وسوقه إلى الاستكانة عن طريق إذلاله.. ثم إنها هددت وحدة البلاد». تخيلوا نظاماً بهذه البشاعة يعدم رجلاً كهلاً لا يملك غير قلمه بهذا القدر من الغدر والجبن والخسة، يؤيده الإخوان فى مصر، تعالوا نقرأ ماذا قال أحفاد حسن البنا وسيد قطب؟