تحولت الإسماعيلية من باريس الصغرى إلى سجن طرة الكبير!!، استيقظنا فجأة على هستيريا أسوار وكأننا فى الصين تحمى نفسها من جحافل الغزاة، سور حول فيلا المحافظ فى أجمل بقعة فى تلك المدينة الساحرة التى أعشقها حتى النخاع وتسكن نواة الروح وشغاف القلب، خمسون محافظاً سكنوا تلك الفيلا الراقية الجميلة الملاصقة لمنزل «ديليسيبس» وهو تحفة معمارية أثرية، لم يفكر واحد من هؤلاء فى بناء ذلك السور الخرسانى العالى الضخم وكأننا فى طروادة أو فى قلعة صلاح الدين، سور قبيح يشوه أجمل مكان فى مصر، طوب أحمر وأسمنت وزلط يخدش روح ورونق التناسق ويكسر إيقاع الجمال، لماذا فقدنا الحس الجمالى بهذا الشكل؟ لماذا ننقل للسياح والزائرين أننا مدينة مهددة تعيش فى ظل الخوف وفى كنف الرعب؟ الإسماعيلية مدينة سياحية لا بد أن تنقل روح الأمان وتحتفظ بطابعها الباريسى الأثرى الجميل الذى ظلت تحافظ عليه منذ سنوات الحفر، فوجئنا بعد عدة أيام بسور آخر حول مبنى المحافظة يخفيها عن الأعين، والمبنى يواجه أجمل قصر ثقافة فى مصر، الذى تزيّن واجهته جدارية للفنان الإسبانى خوان ميرو، نفس ثقافة سيراميك محل عصير القصب هى التى تحكم ذوقنا الجمالى، تحولت الإسماعيلية بالرحابة والامتداد ومظلة السماء الصافية وسجادة الخضرة، إلى مدينة الأسوار القبيحة، تحولت إلى كهوف قندهار، ليسكن أهل المدينة روح العزلة والاختباء والتربص التى تعكسها تلك الأسوار. العمارة فن، وعمارة المدن نفحات روح ونبضات وجدان قبل أن تكون خلاطات أسمنت وكتل جبس، ألا يكفينا ما حدث فى تمثال الخديوى إسماعيل من عبث جعل العالم كله يسخر منا؟! نفس طريقة التعامل ومنهج التفكير، فرق بين تجميل راقصة الباليه وبهرجة بهلوانات السيرك، بث روح الجمال فى المدينة ينعكس على روح السكان، وكثرة الأسوار وضخامتها وارتفاعها تبث فى المواطنين روح العدوانية والتوجس ووسواس الحشرية والفضول اللزج، عندما تسود ثقافة الكشف والوضوح فى المكان تطغى ثقافة الصدق والصراحة فى السكان. مطلوب إزالة لوحة الإسماعيلية مدينة الجمال ترحب بكم ليحل محلها سجن الإسماعيلية يرحب بنزلائه، فالمواطن الإسماعيلاوى صار نزيل ثكنة لا نزيل سكن.