قاتل الله معارك السياسة والكتابة الصحفية فى أمورها المتشابكة وسرابها الخادع ودروبها المعقدة، أردد تلك الجملة كلما قرأت لكاتب أخذته ندّاهة السياسة من واحة موهبته الفنية، آخر من رددت مع كتابها تلك العبارة هى الكاتبة المرموقة فريدة الشوباشى، التى نعرفها كمقاتلة جسورة متمردة فى مجال الكتابة السياسية فى الصحافة، لكنى اكتشفت كنزاً مخبوءاً خلف أدغال تلك السياسة، وهو فن القصة القصيرة، حين قرأت مجموعتها القصصية «حبيبى الذى كان»، جذبتنى كالمغناطيس، وبدأ قناع السياسة يسقط رويداً رويداً عن خيالى وتظهر ملامح كتابة قصصية بكر طازجة كالرغيف الساخن الشهى، لقطات ذكية، شجن نبيل يغلف كل سطر فى تلك المجموعة البديعة، عين نسائية مغرمة بالتفاصيل، تتسلل إليك برشاقة وعذوبة كقط صغير يتدفأ فى حضن صاحبته، ألوان شخصيات مختلفة التباين والتناقض، ولكنها مثل السجاد الشيرازى تتآلف ألوانه فى نسيج بانورامى متجانس ومبهر، أبطال ليسوا سوبرمانات لكنهم من لحم ودم، أبطال مغموسون فى ملح الدمع ومرارة الشجن، السيدة العجوز التى تعيش وحيدة وتعشق الترباس، تعيش فى رعب مزمن من اللصوص والقتلة، فتغلق كل أبواب شقتها ويسكنها هذا الوسواس القهرى، هى فى صراع مع برودة الوحدة، الترباس سيجعل جثتها عندما تموت محبوسة فى زنزانة الإهمال، لذلك لا بد أن تفتح الترباس، الوحدة قاتلة لكن الإهمال أكثر شراسة فى القتل، ومن الترباس للمفتاح، حلم الزوجة بسيط جداً، مجرد مفتاح لشقتها الخاصة هرباً من الانتظار أمام شقة أسرة الزوج حتى يؤذن لها بالدخول، فهى تسكن مجرد غرفة فى مسكن الأسرة، انتقلت فى نهاية القصة إلى الصالة لأن شقيق الزوج وجد بنت الحلال، وما زالت هى لم تجد المفتاح الحلم، قصة عن قبلة بدلاً من أن تقرب حبيبين أبعدتهما واغتالت حبهما، وكأن كهرباء القبلة كشفت زيف العلاقة، وتحتل العلاقات المزيفة الخادعة جزءاً كبيراً من تلك المجموعة، فهناك من قابلت حبيبها القديم فى حفل زفاف مع زوجته وكيف تحول من رجل واثق فى نفسه إلى فأر مذعور فى جحره، تستطيع فريدة الشوباشى بقلمها الرشيق وبفضول المرأة النافذ إلى الأعماق أن تفضح ازدواجية الرجل الشرقى المتينة، فى قصة تجربة ظل الزوج يبرر برود العلاقة بأن زوجته ليست أنثى، استفز فى داخلها طاقة الإغواء، فضحت الكاتبة تلك الشيزوفرينيا الذكورية المصرية، حين قالت تلك الجملة الرصاصة» ظلت طوال الطريق تحاول فك شفرة الشيزوفرينيا الشرقية بين الرغبة المُلحة فى أن يكون الأول وبين الطموح بأن تكون الحبيبة متمرسة فى اللحظات الحميمة!!. المجموعة القصصية لفريدة الشوباشى كقطعة الكريستال التشيكى كلما نظرت إليها من زاوية، منحتك ألقاً جديداً ولوناً مختلفاً.