عندما كنت كائناً كروياً كنت عاشقاً متيماً للنادى الإسماعيلى، وبعد أن هجرت متابعة الدورى واعتزلت قراءة صفحات الرياضة، ما زال عطر الفانلة الصفراء فى خياشيم الروح كالحفريات الجيولوجية، مهما حفرت فى طبقات الوجدان أجد الإسماعيلى ساكناً ومتربعاً، لذلك تملكنى الأسى والحزن عندما علمت أن الإسماعيلى مهدد بالهبوط وأنه يقبع فى قاع الدورى!، معقول من كنا نغنى له على السمسمية ونحن أطفال «أصفر وسماوى لون الفانلة البرازيلى، اتنين وتلاتين مليون غاوى قالوا عليك يا إسماعيلاوى»، معقول يهبط إلى المجهول!، أحسست فجأة بأن جداراً من بيت ذكرياتى قد أصابته الشروخ وعلى وشك الانهيار، فعيناى قد تفتحتا على فريق كسب الدورى ٦٧ ويلعب منفرداً بعد إيقافه، شاهدت مصر كلها تلتف حوله حيث لم يكن هناك لا أهلى ولا زمالك، البسطاء على أعمدة استاد ناصر تتلهف على مجرد إطلالة الدراويش فى مباراة الإنجلبير، عشقت «فاكهة الكرة المصرية» على أبوجريشة، كما كان يطلق عليه الكابتن على زيوار، كنت أجمع قصاصات الجرائد التى تتحدث عنه وعن سيد بازوكا والسقا وميمى درويش والعربى وأميرو وحودة وحسن مختار.. إلى آخر تلك القائمة الذهبية، سألت عمى رحمه الله عن سر الشارة السوداء التى كان لاعبو الإسماعيلى يضعونها على الفانلة الصفراء، أخبرنى بأنها راية وشارة حزن على ساحر الكرة رضا، وبدأت رحلة الشجن والميلودراما مع فريق تخصص الموت فى سرقة لاعبيه الموهوبين من حضن الزمن قبل الأوان، كان مركز شباب الجزيرة الذى يتدرب فيه لاعبو الإسماعيلى أثناء هجرة ما بعد الهزيمة بجانب بيتى، كنت أذهب خصيصاً لكى أرى عفريت «تنطيق» الكرة برأسه الكابتن حسن درويش الأخ الأصغر لميمى، كنا نعد له المرات ونصفق ونحبس أنفاسنا، يتجاوز المائتين وبدافع الزهق فقط فى معجزة بشرية وكأن فيه أستك ممدود إلى جبهته، فجأة اختفى حسن درويش، رحل عن دنيانا واختطفه الموت!، بعد تخرجى فى كلية الطب وحصولى على التخصص كان ولابد من ذهابى لمستشفى ريفى، ذهبت لمستشفى أوسيم وهناك قابلت طبيب النساء وبالصدفة كان شقيق الكابتن محمد حازم، وكأنى حصلت على كنز على بابا، كان «حازم» ساحراً بجد، موهوباً بشكل مستفز لأرباع المواهب، لمساته إعجازية، تعجبت حين قال لى شقيقه وهو يغلق التليفون باكياً حين أتاه الخبر «حازم كان ابن موت»!!، عرفت أنه توفى فى حادث سيارة، ارتمى شقيقه فى حضنى وهو يصرخ «مش معقول مش ممكن»، ذهبت إلى شبرا حيث سرادق العزاء وحيث أحباب وأهل «حازم»، اختطف الموت أيضاً من الإسماعيلى حارس مرماه على أغا!!، ميلودراما الموت تحصد ثمار المانجو الإسماعيلاوى من مشتل المواهب، شريط ذكريات مر أمامى وأنا أقرأ عن عشقى القديم المزمن، هل سيتبخر هذا الحلم وأصحو على فقدان آخر ليس بموت لاعب فى تلك المرة، لكنه بموت حلم ملون بالأصفر والسماوى اسمه الإسماعيلى؟!.