ستيقظنا على هذا المانشيت المرعب، وتساءلنا بعد انتحار طبيب نفسى شاب فى دمنهور: لمن نلجأ إذن نحن الذين يلاحقنا الاكتئاب حتى نخاع النخاع؟!، وإذا كان من يملك مفتاح العلاج وشفرة النفس ينتحر، فماذا نفعل نحن قبيلة الحائرين؟، لا أحد فوق المرض النفسى، بل الشخص الحساس والذكى واللماح هو الفريسة السهلة لهذا الوحش اللعين، أفتح للمرة الألف نداءً لوزارة الصحة لعمل خط ساخن للمقبل على الانتحار حتى يفضفض، ويتم إنقاذه، سيواجهنى سؤال: هل سيسمع الكلام؟، هل المنتحر يطلب مساعدة، أم يسد منافذها؟ فلنحاول ولنجرب ونتعرف على تجارب الدول الأوروبية الأخرى، لنتعرف أولاً على الأرقام المرعبة ويا ليتنا لا نردد عبارات التعمية والخداع من نوعية إحنا شعب مؤمن لا ينتحر!، مليون شخص ينتحرون كل عام على مستوى العالم، أى أن عدد المنتحرين فى العالم أكثر من ضحايا الحروب والقتل العمد، 3000 حالة انتحار يومياً، الانتحار هو السبب الأول للموت عند المراهقين والبالغين تحت الـ35، هناك شخص ما ينتحر فى مكان ما فى العالم كل 40 ثانية، الرجال ينتحرون بنسبة ثلاثة أضعاف المرأة على عكس ما تتخيلون، هناك شخص يحاول الانتحار، ولم ينجح فيه كل ثلاث ثوان!!، أرقام مرعبة توضح حجم المشكلة وخطورتها، لذلك أطلقت منظمة الصحة والجمعية العالمية لمكافحة الانتحار شعارconnect ، care ،communicate لدعم المقبل على الانتحار، ولا بد لنا فى مصر ألا ندفن رؤوسنا فى الرمال، وندّعى أنه لا توجد لدينا مشكلة انتحار، لأننا شعب متدين بالفطرة، من الممكن أن تكون النسبة عندنا أقل، لكنها موجودة وتزداد، ولا بد أن نعرف أن الاكتئاب مرض فيه خلل كيميائى ولا علاقة له بنسبة التدين، أو مقدار ما تؤديه من طقوس، لذلك يجب على وزارة الصحة إنشاء خط ساخن يتحدث فيه المقبل على الانتحار عندما تهاجمه الهواجس ليجد من يدعم بالنصيحة ويعتنى ويتواصل، فى أحيان كثيرة يكون المكتئب «جعان تواصل» و«عطشان اهتمام»، يحتاج إلى من يسمعه، من يصرخ له، أشد الأمراض إيلاماً هو الاكتئاب، ألمه أشد وأعنف وأقسى من السرطان، والمنتحر يعرف أن المجتمع سيلفظه إذا انتحر ولن يحترمه، يعرف كل ذلك، ولكنه بالرغم منه ينتحر، هو بتعبيره ما عادش قادر يستمر، عايز يستريح ويريح، حاسس بأنه بيتفرج ع الدنيا، لا يبالى بالحياة، ما عادش يفرق عنده حياة أو موت، معندوش الدافع.. إلخ، كل هذه الكلمات لمبات حمراء نراها ولا ننتبه وأجراس خطر نسمعها من المكتئب ولا نعيره اهتماماً، إلى أن تحدث الكارثة فنستيقظ على طلقة رصاص أو ابتلاع أقراص دواء أو قفزة إلى المجهول من نافذة أو من على كوبرى إلى النيل مباشرة، ثم نمصمص شفاهنا قائلين ده كان لسه إمبارح بيتعشى معانا أو كان مكلّمنى فى التليفون وكان بيضحك!!، كلام فارغ نُخلى به مسئوليتنا عن إهمال هذا البنى آدم وجعله يصرخ إلى الداخل وحيداً يعود إليه صدى صوته من بئر بلا قاع، الطبيب أيضاً عليه مسئولية، فمن يترك شاباً حاول الانتحار ليعالجه بعدها فى البيت بشوية أقراص، ويقول دى حاجة بسيطة بدون أن يدخله المستشفى ويضعه تحت المراقبة، فهو يرتكب جريمة طبية، الانتحار مرتبط بالإنسان، كما قال صلاح جاهين، الذى للأسف انتحر وهو فى قمة مجده: الدنيا أوضه كبيرة للانتظار فيها ابن آدم زيه زى الحمار الهمّ واحد.. والملل مشترك ومفيش حمار بيحاول الانتحار.