هل ما عاشته مصر فى ميدان التحرير طيلة أيام الثورة من تكافل ونظام وتسامح سيظل حبيس المكان والزمان ولا يطير ويحط على كل أرجاء المحروسة!، لماذا لم تمتد العدوى وتدخل فى نخاع ونسيج المجتمع بعد أن شاهدها صوتاً وصورة، وعاشها دقيقة بدقيقة؟!، عدوى التحرير لم تحدث للمصريين بعد، وكأن هناك سوراً سميكاً من الفولاذ بين ميدان التحرير وباقى أرجاء مصر، ولكن ما المظاهر التى أتمنى أن تنتقل عدواها من التحرير إلى باقى أرجاء الوطن .

أولاً: مظاهرات التحرير رفعت شعاراً سياسياً وهو «الشعب يريد إسقاط النظام»، الشعارات كلها والمطالب كانت تدور حول معنى الحرية، طرح المتظاهرون مطالبهم الفئوية جانباً وخرجوا يطالبون بنسيم الحرية، لم يطالبوا بالعلاوة أو المكافأة، نظروا إلى الإطار الأكبر، إلى الوطن ككل، لم تنتقل عدوى النظر البانورامى وهذا المعنى المجرد إلى من هم فى مظاهرات فئوية متواصلة وهستيرية وانتقامية تصل إلى حد ضرب المديرين وقتلهم فى مكاتبهم!.

ثانياً: فى ميدان التحرير حمى المسيحيون المسلمين أثناء صلاتهم، وحرس المسلمون المسيحيين فى قداسهم، هذا الانصهار لم تنتقل عدواه من التحرير إلى الميادين الأخرى والشوارع المصرية، فأجد من يرسل لى من المسلمين إيميلات متسائلاً عن عدد شهداء الأقباط فى الثورة!، أو يثير موضوع حجاب سالى ويقول إنها ماتت مسلمة، ومن المسيحيين من يؤجج موضوع سور دير الأنبا بيشوى ويوقد النار ضد الجيش، ويقلب فى دفاتر مشاكل طائفية قديمة!!، مما جعلنى أتساءل حزيناً: هل ما حدث من انصهار إسلامى مسيحى فى التحرير عارض، سرعان ما ذاب مع عودة الحياة إلى سابق عهدها؟

ثالثاً: التنظيم والانضباط الذى أدار به ثوار التحرير دخول وخروج مئات الآلاف من البشر داخل الميدان بالبطاقة والتفتيش الدقيق والضبط والربط، كل هذا لم تنتقل عدواه خارج الميدان، ذهب مع الريح، سرعان ما وجدنا سيارات عكس الاتجاه فى شارع قصر العينى!!، نشوة الخروج على القوانين ولذة ممارسة البلطجة التى صارت هى القانون فى غياب القانون!، الصوت العالى والصراخ والزعيق وأسلوب الحوار الذى يفتقد إلى أدنى أساليب الاحترام، صار كل هذا خبزاً وقوتاً يومياً للمصريين فى زمن كنا نظن أننا لابد أن نكون قد تعلمنا من شبابه احترام النظام.

رابعاً: كنس وتنظيف ميدان التحرير من شباب المظاهرات والاهتمام بتجميله بعد تنحى الرئيس السابق، لم تنتقل عدوى هذا الفيروس الجميل إن جاز التعبير إلى باقى الشوارع، بدأت الزبالة فى التراكم، جبال القمامة تزكم الأنوف، تارة يقولون الزبالين فى اعتصام، وتارة يقولون المجلس المحلى مطنش!!، المهم أننا عدنا للتآلف مع المشهد القذر الذى تحتضر فيه شوارعنا تحت ركام القاذورات.

هل نحن قد تعلمنا من دروس الثورة حقاً؟، هذا هو السؤال الذى ستوجعنا إجابته.