عندما أعلنت عن حملة «أطباء متضامنون» لعلاج مصابى وضحايا الثورة تلقيت كماً هائلاً من الاستجابات وردود الفعل والمشاركات التى أثبتت أن مصر الحقيقية مازالت بخير. فرغم كل الفساد والعفن الذى اكتشفناه مازال هناك شرفاء، بل لابد أن نتفاءل ونؤكد أن الأغلبية مازالت تحتمى بفضيلة الشرف الذى هو رأسمالها الوحيد والحقيقى. انهالت المشاركات، الكل تنازل عن أجره، ومنهم من تحمل تكاليف المستشفى، والكثير من أهل الخير من داخل مصر ومن المهاجرين خارج مصر تبرع بمعدات طبية وأطراف صناعية. الكل كان فى حالة إنكار للذات ورغبة فى المشاركة وعشق للعمل وتفان فى الخدمة. شىء يفرح بجد ويعيد الإنسان إلى توازنه النفسى بعدما ساوره الشك فى أن مصر قد قضى عليها فيروس الفساد وصار مزمناً.

يأتى «قصر العينى» ليعزف اللحن الأساسى فى ملحمة الشرف أثناء ثورة يناير، بشبابه وأساتذته وممرضاته وطلبته. يأتى هذا المستشفى العريق ليتعامل مع حالات جديدة يعتبر الكثير منها غير مسبوق فى العالم، لم ينتظر أحد منهم أن يفتح كتاباً أو يقرأ مرجعاً أو يطلب معونة خبير أجنبى، الوقت لا يسمح والظرف ضاغط، كان الكل على مستوى الحدث، ولذلك طلبت من الأطباء توثيق تلك الملحمة، ليس بغرض الاستعراض أو التباهى حاشا لله، ولكن بغرض احترام التاريخ وزرع القدوة وبث الأمل، وقد أرسل لى د. أيمن صلاح، أستاذ الجراحة بقصر العينى والمشرف على الطوارئ، بياناً توثيقياً مبدئياً بعدد ونوعية حالات الجراحة التى استقبلها طوارئ قصر العينى وهى كالتالى:

عدد حالات أول خمس ساعات فى جمعة الغضب 28 يناير كانت 298 حالة، وعدد الجراحين 32 جراحاً جاءوا من تلقاء أنفسهم رغم انقطاع الاتصالات، عدد الممرضات 86 ممرضة، عدد حجرات العمليات 16 حجرة، عدد القتلى 27، عدد المتوفين حين دخولهم 21، عدد الجراحات التى أجريت 132 عملية.

هناك توثيق آخر للفترة من 28 يناير حتى 3 فبراير كالتالى:

الدخول 448، متوسط السن 27 سنة، النوع 439 رجلاً و9 نساء، عدد القتلى الكلى 48 قتيلاً، عدد الذين وصلوا المستشفى متوفين أصلاً 33 مقسمين كالآتى: (18 برصاصة فى الرأس، 2 بقنابل الغاز فى الجمجمة وخروج المخ، 6 برصاص فى الصدر، 3 برصاص فى البطن، رصاصتان فى الرقبة، رصاصة فى الفخذ، قتيل بدهس سيارة) ولا توجد رصاصات فى الظهر!

عدد العمليات التى أجريت فى تلك الفترة 392 عملية جراحية، عدد المتبرعين بالدم 3000 متبرع، وهذه أكبر تراجيديا جراحية فى تاريخ مصر وتتفوق على زلزال 92 وضحايا خط بارليف!

كما بكينا على الشهداء والجرحى يجب الآن أن نفخر ونفرح بمن شاركهم تلك الملحمة من الأطباء، فمن رحم المأساة يولد الأمل.