تذكرت تلك الجملة وأنا أستمع إلى حديث الرئيس السيسى عن حرية العبادة فى منتدى شباب العالم فى شرم الشيخ، قال لو فيه يهود فى مصر مستعد أبنى لهم معبد، وتحدّث حتى عن حق من لا دين له فى حرية اعتقاده، المهم ألا تفرض اعتقادك بالقوة وبالإجبار وبالسلاح والعنف، هذه العبارات رسّخت معانى فى منتهى الأهمية كانت لا بد أن تكون بديهية لدى هذا الشعب منذ فترة طويلة، لكن ركام تراب وصدأ أفكار التخلف والفاشية حجبها عن الرؤية والفهم، الدين والمعتقد والمذهب علاقة رأسية بينك وبين الله، لا دخل لى شخصياً، ولا للحكومة، ولا للحزب، ولا للدولة فيها، والحساب عليها لن يكون إلا للرب، حتى من لا يؤمن بتلك الأفكار الدينية أصلاً هو حر، ما دام لا يؤذينى ولا يفرض علىّ معتقده، ولا يجبرنى على اعتناق إلحاده، العلمانية والدولة المدنية ومجتمعات الحداثة وصلت إلى تلك القناعة ورسختها وصارت تسرى فى دم وروح المواطنين، نحن ما زلنا نعانى من الحشرية والتغول على حريات الآخرين وفضول التدخّل فى تفاصيل حياتهم، ووسواس هدايتهم بالعافية إلى ما نعتقد أنه الحق، الدولة الحديثة تقوم على دعامتين، القانون والمواطنة، وبالطبع مفاهيم اجتماعية أخرى مثل الحرية واحترام الخصوصية وغيرها، وتلك المفاهيم لا يمكن أن تسود فى ظل سيادة وسيطرة مصطلحات متحفية وتعبيرات ماضوية، مثل جهاد الفتح، وفسطاط الإيمان، والغزو، والكافر، والذمى، والولاء والبراء، والجزية.. إلخ، فتلك المصطلحات بنت بيئتها، ومن يريد استرجاعها عليه استرجاع ركوب الناقة والعلاج بالكى، والعيش فى الخيام والاستنجاء بالحجر.... إلى آخر تلك الممارسات التى هى حصيلة زمانها ومكانها وتاريخها، اللبنة الأولى فى بناء الدولة الحديثة التى تستحق أن تنضم إلى ركب الحضارة هى تلك العبارة، فالعلمانية فضلاً عن أنها منهج التطور والتقدم العلمى، فهى أيضاً الضامن لحماية الأديان، وليس الدين الواحد، وصمام الأمان ضد النزاعات الطائفية العنصرية، علينا أن نفعل تلك العبارات إلى واقع، على البرلمان أن يلغى فوراً قانون الازدراء ومادته الفاشية البغيضة المتعارضة مع أبسط معانى الحرية وقيم الحداثة، خاصة أن القانون المصرى فيه مواد تحاسب الإهانات الصريحة والممارسات العنصرية، وهى مواد ليست مطاطة ولا هلامية كمادة الازدراء، على كل الهيئات والمؤسسات إلغاء أى تمييز على أساس دينى، عقاب المدارس الحكومية التى تصر على أن يكون جميع الملتحقين بها من ديانة واحدة فقط، دمج التعليم الأزهرى فى التعليم العام، منع الميكروفونات المعلقة على خارج المساجد والمقصود بها اقتحام الشارع والبيوت، وعقاب كل خطيب مسجد أو داعية يبث روح الكراهية والعنصرية فى خطبه، تصفية مناهج التعليم من قصص القتل والذبح، وعدم إقحام نصوص دينية فى مناهج مواد غير التربية الدينية، وجعل غاية التعليم صناعة الوجدان الوطنى المشترك، وليس تقسيم الوطن إلى طوائف، باختصار على الجميع أن يعرف أن عليه أن يعيش ويعمل من أجل المساحة المشتركة التى اسمها الوطن والأرض، وأن يجعل علاقته مع السماء علاقة شخصية، فهو الذى سيصعد إليها بعد الموت، ومن العبث أن يجذبها ويشدّها وينزلها على الأرض أثناء الحياة.