سؤال طرحه الإعلامى عمرو أديب على المشاهدين فى حلقته يوم الأحد الماضى التى كنت فيها ضيفاً على برنامجه بصحبة الفنان والمثقف الجميل وجيه وهبة، سؤال وجدته مهماً وهماً فى الوقت نفسه، فالثقافة ليست هى الفنون الرفيعة فقط، فهى سلوك اجتماعى أرحب من مجرد تلك الإبداعات، فالزى ثقافة والبيوت ثقافة وطريقة الأكل ثقافة والتعامل مع الشارع ثقافة.. إلخ، ولو صعدنا درجة وأخذنا معنى الثقافة بالمعرفة الواسعة عن كل شىء ومن كل شىء، سنواجه بمعضلة، هل المثقف هو فقط الذى يحضر الأوبرا والباليه ويرتاد المسرح والسينما؟، هذه الأشياء فى منتهى الأهمية للمثقف، لكن من هو المثقف الفاعل الذى نحتاجه الآن؟، هل هو هذا النموذج فقط؟، كانت الصدفة أن الحلقة قد واكبت ذكرى العظيم الجليل د.طه حسين، ووجدت بالفعل فى هذا الرجل العملاق نموذج المثقف الفاعل المغير الثائر الذى يترك بصمة فى العقل ووشماً فى الروح، هذا هو المثقف الفاعل بجد، طه حسين يختصر كل التعريفات المتضاربة والجدلية والمتناقضة للمثقف، نستطيع أن نشير بأصابعنا فقط إلى هذا الكفيف البصير لنعرف أن هذا هو المثقف الذى تحتاج إلى استنساخه مصر الآن، المثقف الذى لم ينحنِ للتيار السائد ويميل للريح ويتوافق مع القطيع خاصة أنه يحتاج دائماً إلى مساعدة بسبب إعاقته التى من الممكن أن تجعله يرضى بالهامش والعزلة، تمرد على التعليم الأزهرى وهو الفقير المعدم الآتى من قلب الصعيد محملاً بأعباء أسرة كبيرة تكاد أن توفر قوت يومها بالعافية، خرج عن النص حين التحق بالجامعة واختار شخصيات لدراساته ورسائله هى أيضاً متمردة خارج السياق لا مترددة داخل الشرنقة، ابن خلدون والمعرى، كتب فى العشرينات كتابه الثورة ودراسته العاصفة «فى الشعر الجاهلى» التى كان عمادها منهج الشك الديكارتى، تعرض للسب والشتم فى مظاهرات طلبة الأزهر، ثم إلى التحقيق فى النيابة، لكنه واصل الطريق، واختار درب الألغام، درب الأسئلة، طرح علامات الاستفهام على التراث الإسلامى، وأعاد تقليب تربة التاريخ، فصار التاريخ مجال بحث وليس مساحة تقديس، هل توقف المثقف طه حسين عند هذا الحد؟، لا، فعندما تولى المسئولية لم يكن موظفاً بل ظل مثقفاً، وكانت الثورة هى تطبيق نظام التعليم المجانى فى عهد وزارته، فقد آمن بأن التعليم هو طوق النجاة ولا بد أن يكون كالماء والهواء، كما آمن بأن علينا أن ننظر إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط حيث النور، وعندما دخل إلى عالم السياسة كتب عن ضرورة فصل الدين عن الدولة فى الدستور وخطورة تديين الفضاء العام المشترك، وحتى بعد قيام الثورة لم ينسَ طه حسين دوره الثقافى وطالب بدمج التعليم الأزهرى فى التعليم العام، ولكن حكومة الثورة كان لها رأى آخر، وبدلاً من تطبيق رأى هذا المثقف المتفرد المستقبلى توسعت فى هذا النوع من التعليم الدينى وصدر قرار عبدالناصر الذى أضاف الكليات المدنية إليه! احتار المثقفون فى تسمية طه حسين، تارة المثقف العضوى وتارة المثقف الليبرالى ولكنى أفضل اختصاراً: «طه حسين المثقف الحقيقى».