«سالى زهران» زهرة الجنوب ونوارة الصعيد وشهيدة ثورة يناير، صورتها التى تشع حيوية وتنبض أملاً وحنواً، وابتسامتها التى تدخل القلب بلا استئذان، صارت هذه اللقطة أيقونة الثورة تتناقلها وسائل الإعلام لدلالتها الرائعة التى تنفى عن البنت المصرية صورة المستكينة الضعيفة الخانعة، وتضع بدلاً منها صورة البنت الصعيدية الثورية الذكية الواعية، من فرط حيوية وروعة المشهد والصورة والدلالة قررت وكالة «ناسا» إطلاق اسم سالى على مركبتها الفضائية المتجهة للمريخ، وأطلقت مدينة رام الله اسمها على شارع هناك.. كل هذا التكريم حدث لسالى من الخارج.

أما نحن فقد تفرغنا لمعارك وهمية مفتعلة حول سالى وصورتها جعلتنى أضرب كفاً بكف، من فرط العبث الذى نستنزف قوتنا وعقولنا فيه، ونجر أنفسنا كل يوم أميالاً وأميالاً بعيداً عن جوهر الثورة ومعانيها الجميلة التى تجسدت فيها قبل أن تتوزع دماؤها بين القبائل المتناحرة.. معانى حب الوطن وقتل الفتنة والتسامح وانصهار الكل فى واحد.

افتعلت جريدة الأهرام معركة حول سالى تتهم فيها «المصرى اليوم» بتشويه صورتها. الوقت يحتاج إلى التكاتف، والمفروض أن ننسى جميعاً أى خلاف مهنى ونتجمع حول معنى واحد وهدف واحد وهو النهوض بالوطن، ولكن الجريدة شطبت على معنى صورة سالى الرائعة وخلقت معركة عنوانها: هل سالى سقطت من البلكونة فى سوهاج أم استشهدت فى التحرير؟!، امتداداً لمعركة أخرى دارت رحاها فى الـ«فيس بوك» قبل الأهرام عنوانها: هل سالى محجبة أم غير محجبة؟.. كل هذه المعارك المفتعلة هى ضغط على بنزين الثورة فى الاتجاه المعاكس واستنفاد لوقودها لتضل الطريق.

أولاً: فى بداية الثورة كان الجو ضبابياً وماكينة العمل متوترة، وكان الحاصل على الخبر الصحيح كالقابض على الجمر، وقد حاولت جريدة «المصرى اليوم» قدر طاقتها أن تنقل أحداث الثورة بصورة صادقة، وأعتقد أنها قد نجحت فى أن تكون أهم جريدة فى تلك الأحداث، وهذا ليس دفاعاً أو مدحاً لأننى أكتب فيها، ولكنه إقرار بواقع ظاهر كالشمس، وإذا كانت معلومة سقوط سالى من البلكونة قد فاتت على «المصرى اليوم» فى خضم الأحداث فهذا من الممكن التسامح فيه، نتيجة ضغط الأحداث، ولا ينتقص من نجاح الصفحة العبقرية التى نشرتها «المصرى اليوم» للشهداء وتناقلتها كل وسائل الإعلام وصارت هى الصورة الرسمية للثورة، وللأسف.. لم تصدر لنا الأهرام حادثة البلكونة على أنها سهو صحفى، ولكنها صدرتها على أنها فضيحة وجريمة فى حق سالى أنها ماتت فى التحرير وكأن الميدان عار!، لا يصح فى هذه الظروف أن تسيطر الغيرة المهنية على أقلامنا، ونتفرغ لتقطيع وتمزيق ثياب بعضنا البعض، فالثورة قد خلقت واقعاً مهنياً إعلامياً مختلفاً كما خلقت واقعاً سياسياً مختلفاً. الثورة جعلت كل وسائل الإعلام سواسية أمام المشاهد، ولا فضل لقومى على مستقل إلا بالكفاءة!

ثانياً: قضية صورة سالى بالحجاب أو بدونه هى مسألة تنتقص من رونق وروح هذه الثورة النبيلة، فلم يفكر أحد فيها عندما شاهد صورة سالى وبكى هل هى محجبة أم سافرة!، كنا سنبكى ونتعاطف سواء ظهر شعرها أو اختفى!، والمعارك الجانبية التى دارت على النت ـ حول عمالة من نشر صورتها فى التحرير كاشفة الشعر حاسرة الرأس، وأيادى الخونة الخفية ـ هى معارك تأخذ الثورة إلى أزقة مظلمة وآبار جافة وأحراش موحشة، وأنا شخصياً ومثلى ملايين لا يهمهم إن كانت سالى محجبة أم لا، فهذا اختيارها وهى حرة فيما تختار ، ولكن ما اهتم به الناس هو أنها زهرة جميلة بريئة قطفت قبل الأوان ولكنها زرعت فى تربة وطن يتغير وينهض ويحلم.

أتمنى أن نرتفع فوق الصغائر.. والبداية كلمة مبروك للملحق المتميز: «شباب التحرير».