تغيير وزير وقيادات الإعلام لن يحل مشكلات أخطر أجهزة تكوين الوعى، أو بالأصح تزييف الوعى فى مصر. تحويل وزارة الإعلام إلى هيئة مستقلة أيضاً لن يجعل الإعلام المصرى مثل الـ«بى. بى. سى» بين يوم وليلة، المسألة أعقد وأخطر من ذلك بكثير. إن تغيير الوزير وتكوين الهيئة المستقلة هما مجرد بداية شكلية تحتاج إلى طريق طويل من الجهد والتأهيل والإبداع والعلم، فالإعلام فى بلد مثل مصر هو أخطر جهاز يشكل الوعى والعقل والوجدان، جهاز من الممكن كما أرسى دعائم النظام السابق وجمّل صورته وبرّر فساده وصدّر لنا خطاياه على أنها جمايل، من الممكن أيضاً أن يمسح و«يفرمت» الـ«هارد ديسك» الثورى الجديد ويضع نفس الـ«سوفت وير» القديم وترجع ريما لعادتها القديمة بنظام جديد فعلاً لكن العقل للأسف مازال قديماً فاقداً لصلاحيته منذ زمن بعيد.

البداية نزع وخلع نفسية المخبر الذى يعمل لدى النظام من بعض الإعلاميين، التى خلقتها عقلية الموظف وروح الشؤون الاجتماعية التى لا تحترم موهبة أو كفاءة داخل جهاز الإعلام المصرى وتساوى بين الموهوب والفاشل، فمثلاً هناك نقطة يعتبرها البعض شكلية وأعتبرها أنا نقطة ذات دلالة مهمة على طريقة تفكير جهاز الإعلام المصرى المترهل، إنها الورقة الصفراء التى لا يستطيع أى إعلامى تابع لوزارة الإعلام المصرية أن يسافر بدونها، ولو حاول وفكر مجرد تفكير أن يسافر بدونها سيُحجز فى المطار! هل وزارة الإعلام تتعامل مع موظفيها على أنهم جواسيس أو خونة أو عملاء أو قطاع طرق؟ ما فائدة هذه الورقة الصفراء؟، إن الإعلامى ليس رجل مخابرات أو شرطة يتسم عمله بالسرية أو الكتمان حتى تُطلب منه هذه الورقة الروتينية السخيفة؟ إنه يعمل فى تليفزيون أو راديو علنى من بديهياته وأبجدياته النشر والإذاعة ولا يعمل فى كتيبة أو أشلاق! وطبيعة عمله التى تتطلب السرعة والإنجاز والسبق لا تحتمل مثل هذه الأختام والإمضاءات والروتينيات المملة المعرقلة.. إنها ليست ورقة صفراء فقط، لكنها منهج وطريقة تفكير صفراء أيضاً.

زرع الثقة والروح النقدية واحترام الموهبة والكفاءة وخلق روح المبدع لا الموظف داخل جهاز الإعلام طريق شاق وطويل ويحتاج إلى صبر وجسارة.. الإعلام ليس المسلواتى، وليس المخدراتى، وليس المطبلاتى، وليس المبرراتى، وليس المسلسلاتى وليس المنوّماتى.. إلخ، إنه المصحّياتى لو صح التعبير، التسلية بالطبع لها نصيب، فنحن لسنا أمة من تماثيل الفولاذ أو روبوتات الأسلاك، ولكن التسلية شىء وتسطيح المخ وزرع التفاهة فى خلاياه شىء آخر، لابد أن أحس أن التليفزيون بتاعى مش بتاعهم، وبيكلمنى مع الناس اللى تحت مش بيكلمهم مع الناس اللى فوق، لغته يفهمها الرجل البسيط، صورته تعكس الواقع ولا تزيفه، تصعد بالعقل وتنميه ولا تبططه وتلغيه وتهبط به إلى الدرك الأسفل.

نريد إعلام التوثيق لا إعلام الرغى، نريد إعلام التنمية لا التنويم، نريد إعلام الفن لا الثرثرة، نريد إعلام المواطنة لا الفتنة، نريد إعلام الانتقال لا الانتقام، نريد إعلام الصراحة لا الوقاحة، نريد إعلاماً يكشف العيب والجريمة وليس إعلام الفضيحة والنميمة!