إسهال افتكاسات حدث للقولون الإبداعى المصرى إذ فجأة، ماسورة مخترعين أطفال وفتحت فى مصر المحروسة وأغرقتها فى الأكاذيب، ما يدهشنى ليست أكاذيب الأطفال فقط فمن الممكن أن تندرج تحت بند أساطير وحكايات وأضغاث أحلام وخيال أوهام الأطفال، لكن ما يدهشنى هو سهولة تصديق تلك الأكاذيب الطفولية ومن مسئولين كبار للأسف ومن إعلاميين مشهورين ويا للعار، كيف صرنا بهذه البلاهة وبهذا التخلف بحيث نصدق أى هرتلات من تلك النوعية التى تنتمى للهلاوس والضلالات؟! وللأسف كله فى فقرات متميزة فى برامج التوك شو، تارة يخرج علينا الطفل «عمرو» باختراعه الفذ الذى يحول لغة الحيوانات للغة بشرية، ويحول التراب لكهرباء والرمل إلى مياه، وما يغيظك ويصيبك بالأسقربوط أن المذيعة منبهرة، وتارة أخرى يدهشنا «محمد» باختراعه اللوذعى ويحكى أنه اخترع طائرة كروكى كده وهو عمره 3 سنوات فقط، ولمَّا كبر شوية وكان بيتمشى مع والدته فى الشارع وشاف الزحمة، سألها إيه ده؟ قالتله دى الزحمة. فذهب إلى بيته وعمل جهاز يخلّى العربيات تمشى دورين، بحيث واحدة تمشى تحت وواحدة فوق!، ثم صدمنا بالمخترع الأكبر «وليد» الذى تم تكريمه من محافظ وبرلمانيين وإعلاميين كبار واستُضيف تقريباً فى أشهر البرامج، «وليد» قالوا إنه قد فاز بالمركز الأول من صالون موسكو الدولى للاختراعات وتقنيات الابتكار، المعروف بصالون أرشميدس، فى موسكو. لكن بعدها بحثنا عن موقع الجائزة الرسمى، ولم نجد اسم «وليد» ضمن المشاركين، وهذه المسابقة كانت للكيانات وليست للأفراد، وثالثة الأثافى أن 70 دولة قد شاركت ليس من ضمنها مصر!!!، كيف صرنا مرضى بالإيحاء بتلك السهولة؟!، كيف ينوّم مجتمع مغناطيسياً بتلك السرعة؟!، السبب غياب منهج التفكير العلمى والنقدى، نفكر بالتمنى لا بالواقع، نرفع فزاعة بلاش إحباط للأطفال والشباب «سيبوهم يبدعوا ويخترعوا»، لكننا ننسى أن نعلمهم قواعد الإبداع وفنون الاختراع، نقتل خيالهم فى المدرسة ثم نطلب منهم خارج أسوارها أن يخترعوا، الطفل المسجون فى منهج الوزارة، والذى تم اعتقاله داخل صفحات مذكرات الدروس الخصوصية لا يمكن أن يبدع، الطفل الذى حرمناه من حصة الموسيقى وحولنا الحوش إلى خرسانة، واستبدلنا بحصة الألعاب حصة بلاغة مستحيل أن ينمو إبداعياً، الطفل الذى لا يدخل المعمل ويحفظ الكيمياء والفيزياء بنفس طريقة ألفية ابن مالك هو طفل مشلول الخيال وكسيح الابتكار، من أين سيأتى هؤلاء الأطفال؟، تربة التعليم مجدبة وقاحلة، أما المشاهد الذى يصدق ويصفق، فالإعلام قد جعله من القطيع، لا يقدم له برنامجاً واحداً علمياً، فضلاً عن أنه نتاج نفس التعليم الفقير النمطى، فالمرسل والمستقبل، الاثنان يعانيان من حوَل فكرى واستجماتيزم إبداعى، وبالطبع يساهم جرح التخلف الحضارى الذى لا يندمل، نتيجة وهم أننا الأفضل، يساهم فى ترسيخ تلك الأوهام والضلالات، أطفالنا يحتاجون إلى تنمية غدة الخيال لا تضخيم غدة الكذب، الخيال أمل والكذب ألم وورم.