عندما كنت أكتب عن موضوع ظاهرة الحجاب منذ أكثر من ربع القرن وكان الكثيرون ينتقدوننى ويهاجموننى ويقولون إنه موضوع تافه وهايف وحرية شخصية، ولا علاقة له بإسلام سياسى، أو جماعات، أو جهاد، وإنما هو فريضة تذكرتها المرأة فجأة فى بداية الثمانينات، كانت إجابتى هى أن الحجاب إذا كان مجرد زى فقط مثل السارى الهندى، فهو شىء شخصى، ولا يستحق عناء الرصد والكتابة، لكن كانت وجهة نظرى وقتها، ومما شاهدته أثناء مرحلة الدراسة فى طب قصر العينى، أن الحجاب كان «لوجو» تناضل من أجل فرضه الجماعة الإسلامية، لتقول وتعلن بسهولة وسرعة «ها نحن هنا»، ويمكن بنظرة بسيطة للمصرى فى داخل مصر، أو الأجنبى خارج مصر، أن يترجم هذا اللوجو إلى «ها قد اختارت مصر التيار الإسلامى، ممثلاً فى الإخوان لحكم مصر، وها هى الأغلبية قد ارتدت اللوجو والبراند رافعة الراية فى الشارع المصرى كل صباح». وجاء عصام العريان بعد كل تلك السنوات عندما استقرت جماعته فى الحكم، ليتخلى عن التقية والمعاريض، وليؤكد هذا الاستنتاج، ويعلن صراحة أن معركة فرض الحجاب كانت معركتهم الأولى والأهم، وهو شىء متوقع لسبب بسيط، وهو أن الإخوان لن يستطيعوا التغيير السريع والإعلان عن أنفسهم بسطوة عن طريق تغيير الاقتصاد الإسلامى مثلاً، فهذا يحتاج إلى جهد رهيب وسنوات طويلة، ومردوده سيصبح غير محسوس، ولن يصير «لوجو» مؤثراً، لكن الحجاب مجرد طرحة توضع على الشعر، قرار سهل وببعض الكتب والفزاعات من الممكن زرع إحساس الذنب والندم لدى البنت وبث الرعب من مصيرها فى جهنم واختزال الدين كله فى قطعة قماش إن لم ترتدِها ستجر من شعرها إلى قاع النار، لذلك لم أندهش من تلك الهستيريا التى صُدّرت من الإسلاميين إخواناً وسلفيين، تجاه خلع حجاب حلا شيحة، عويل وصراخ ولطم خدود وشق جيوب، وكأن الإسلام قد تم هدمه واستئصاله، لأن خصلات شعر حلا قد ظهرت وانكشفت، إنه ليس خوفاً على الدين وإنما هو خوف على اللوجو والبيزنس، لكن لماذا «حلا» بالذات؟!، لماذا لم تحدث تلك الهستيريا مع خلع عبير صبرى للحجاب، أو رانيا علوانى، أو شاهيناز، أو إيمان العاصى، أو هالة فاخر، أو شهيرة، أو هدى رمزى.. إلخ؟؟!، ببساطة لأنهم مرعوبون من كشف أسرارهم وفضحهم من فنانة اقتحمت عالمهم الغامض السرى الماسونى المافياوى المحكم، كانوا يطمحون إلى تجهيزها كادراً إخوانياً فى الخارج، خاصة أن كندا صارت مرتعاً للإخوان، وصاروا قوة بيزنس هائلة هناك، ومع جفاف التمويل وجدوا فى «حلا» الدجاجة التى تبيض ذهباً، لذلك الصدمة عنيفة، ولا أستبعد اتخاذ خطوات أعنف من هؤلاء المجرمين الإرهابيين تجاه تلك الخطوة، باختصار صار جسد المرأة هو المساحة الأهم والوحيدة المتبقية لهم كساحة معركة ينتصرون فيها بسهولة، ويحتلونها باطمئنان، فجاء هذا القرار ليسحب منهم تلك المساحة ويجعل بنات كثيرات يرفضن «باكيدج» الأفكار القامعة القاهرة المصاحبة لترويج هذا اللوجو، اعذروهم فهم لا يملكون، ولم يعد أمامهم إلا جسد المرأة مساحة قتال ووسواس قهر وتسجيل نقاط نصر وفوز وغلبة، وإذا فقدوا تلك المساحة فسيصبح مصيرهم الانقراض كالديناصورات.