النصيحة الذهبية المكررة المقررة لطبيب العناية المركزة هى «راقب العلامات الحيوية للمريض»، الضغط والنبض والحرارة، كذلك فى الحب لا بد أن يكون بروتوكول مشاعرك هو نفس بروتوكول هذا الطبيب، خفض الضغط إلى المستوى المناسب، وضع يدك على نبض رفيق رحلة الحب، وقس باستمرار درجة حرارة العشق بترمومتر عادل منضبط لا يتأثر زئبقه بالمؤامرات والنميمة، إن لم تلاحظ تلك العلامات الحيوية للحب، سيموت إكلينيكياً مهما وضع على أجهزة التنفس الصناعى. رجل يتحدث الفارسية وامرأة تتحدث العربية تحت سقف واحد، هذا هو حال مؤسسة الزواج فى معظم بيوتنا المصرية، فاللغتان مكتوبتان بنفس الحروف، لكنهما لغتان مختلفتان تماماً، الحوار مفقود والتواصل معدوم والصمت هو سيد الموقف، والخرس الزوجى هو شعار المرحلة، وكأن الزواج جلطة تسد شرايين التواصل، وكوليسترول يترسّب على جدران الود والفهم والحنان والتعاطف، فيحدث الشلل العاطفى، وينتهى الأمر بأن يدخل الزواج غرفة العناية المركزة لوضعه تحت الملاحظة وتوصيله بخراطيم الأوكسجين، بالفعل هو لم يفارق الحياة، لكنه فى مرحلة الموت الإكلينيكى، وفرق كبير بين الجسد والجثة، فالجسد نبض وحياة، والجثة كفن وقبر، ورغم أن الكفن أبيض، والضريح ملون ومذهب الجدران، إلا أننا فى النهاية يلفنا صمت الموت. «آهى عيشة والسلام»، نشيد قومى يردّده الأزواج المصريون كلما سُئلوا عن الزواج، فهم يمارسون العيشة لا الحياة، فالعيشة هى مجرد أنفاس تدخل وتخرج، نبضات قلب تسرع وتبطئ، يتحول فيها الزوج إلى روبوت، والزوجة إلى عروسة ماريونيت، لكن الحياة شىء آخر، هى دفء وحرارة وعنفوان وتألق وتجاوز وتفاعل واحتضان، والعيشة هى السلام الجمهورى للبيت المصرى، الزوج إما غارق فى جريدته الصباحية أو شخيره المسائى، والزوجة إما متربصة أو متخصصة، لكن فى شئون النكد الأزلى، نقل إليهما المجتمع المصرى كل أمراضه وعقده وكلاكيعه النفسية، فصار البيت «مورستان»، وتحولت العلاقة من علاقة مودة وسكن، إلى علاقة مخدة ومكن!!. تجمعهما نفس الغرفة، وتفرقهما الاهتمامات، فعندما يتحدث آدم عن مشاكل الأرشيف ومعضلات الترقيات، تريد حواء أن تتكلم فى شئون الرومانسية وقضايا الغرام، وعندما يتلطف شهريار ويخون تراثه ليقتبس من قاموس حبه الفقير بعض كلمات العشق المفتعلة، تحكى له شهرزاد قبل سكوتها عن الكلام المباح عن تقميع البامية وتقطيف الملوخية!. لماذا تحولت مؤسسة الزواج المصرية إلى مسرحية ذات نص ردىء وأبطال مزيفين وخشبة مسرح نخرها السوس وستارة مهترئة تفضح أكثر مما تستر؟!، هل فقدنا الحب؟، أعتقد أننا أكثر شعوب الأرض قاطبة حديثاً عن الحب، لكننا أقلهم ممارسة له بجد وبصدق، الحب عندنا مثله مثل كرة القدم، لدينا أكبر جمهور وأضخم خناقات كروية وأوسع كتابات صحفية واستوديوهات تحليلية عن الكرة، لكننا فعلاً لا نلعب كرة حقيقية، ولا نذهب لكأس العالم إلا كل ربع قرن مرة!!، إننا فاشلون فى الحب لأننا نخاف الحميمية، علاقاتنا أصبحت هامشية وسطحية، بدون عمق، بدون نفاذ، بدون تغلغل، الزواج لم يعد مرآة الحب كما يقال، فالمرايا صارت كمرايا الملاهى نشاهد فيها بلياتشو، وأحياناً نشاهد مسخاً، وكثيراً ما نطلق وصف علاقة مستقرة على هذا النمط من الزواج، وفى معظم الأحيان هى ليست بالمستقرة، لكنها ساكنة سكون الموت، أو سكون ما قبل انطلاق الحمم من البركان، إنه قهر اللاتواصل وحوار الطرشان.