ما زلنا نعتقد أن علاقة الحب هى نبات صبار صحراوى ما إن تزهر ثماره لن يحتاج إلى رى دائم فقشرته الخشنة حتماً تتحمل هجير الصحراء وقسوتها، للأسف هذا الاعتقاد هو أكبر قاتل للحب وأكبر عامل مساعد فى إشعال واكتمال معادلة الطلاق الكيميائية التى تطلق غازاتها السامة فتفجر معمل العلاقة كلها، الحب نبات رقيق يحتاج إلى رى دائم، من الممكن أن يكون رياً بالتنقيط لا بالغمر والإغراق، لكن المهم أن يكون دائماً.. مستمراً.. متواصلاً.. لا ينقطع، المهم ألا تعيش وهم أنه ما دام الحب قد انفجر كالنيزك وظهر كبرق الضوء ما علينا إلا العيش بآثاره وتحت ظلاله الوارفة التى ستظل إلى الأبد، الحب فعلاً يظهر فجأة لكنه لا يعيش ولا يستمر بهذه الفجأة، ثمرة الحب كثمرة المانجو، فاكهة مدللة، إن أهملت رعايتها اليومية تخونك فى ثانية وتخسرك كل المحصول فتحصد فى موسم الربح هباء منثوراً، ولو قطفتها قبل أوانها لن تجد سكرها ولن تتذوق حلاوتها، ستفاجئك مرارتها التى تفوق مرارة الحصرم، الحب ليس كشجرة الليمون التى تنام تحت ظلها مهملاً إياها فتجدها رغماً عنك تمنحك ثمرها حتى ولو كان قليلاً إنما فى النهاية ستحصد منحة شجرتها الصامدة، نحن نتعامل مع قطار الحب على أن نقطة قيامه ووصوله هى نفس المحطة!، نتغافل عن أن رحلة قطار الحب من محطة القيام إلى الوصول هى بامتداد حياتنا، الحب رحلة استمرار وليس «كامبينج» معسكر استقرار، التعامل مع الزواج على أنه معسكر ما إن ثبتنا أوتاد خيمته وحضرنا مؤونته فهذا يعنى نجاحنا، هو تعامل فاشل يحمل بذرة الإخفاق فى رحمه، لكن التعامل معه كرحلة فيها مواجهة للفصول الأربعة وتقلبات الطقس ومفاجآت التضاريس وغارات الضوارى، هو تعامل يضمن النجاح والاستمرار ما دام معنا مقياس ريختر العاطفى الذى يضمن لنا التنبؤ بأى زلزال يصدع العلاقة، أكثر ما يدمر علاقات الحب هو «الحب الدليفرى»، تصورنا الذهنى المستقر فى تلافيف العقل ومسارات الوجدان بأن الحب يطلب بـ«الزيرو تسعمية» أو بالخط الساخن كما تصلنا البيتزا وما علينا إلا التهامها والاستمتاع بطعمها، ثم هضمها والنوم بعدها مرتاحى البال، هذا التصور مضلل لكل من يستسلم لخدر الوهم اللذيذ، الحب يُطبخ ولا يطلب دليفرى، الحب لا يعرف الميكروويف، فهو لا بد أن يطبخ على مهل ويستوى بالراحة ويطمئن عليه الطرفان كل فترة وإلا سيحترق، الحب يحتاج حقناً منشطة كل فترة حتى ينضبط إيقاع هرمون الشغف، الحب لا يستطيع الصمود بأعمدة سابقة التجهيز، الحب يحتاج جهداً فهو ليس مجرد نزهة فى حديقة الأورمان وإنما هو رحلة استكشاف لحفريات فى طبقات جيولوجية متراكمة، لكى تظل عاشقاً لا بد أن تتمتع بروح هذا المستكشف الذى لا يكتفى بكنس الرمال والتنقيب فى الأعماق والكهوف، بل هو بعد أن يتوغل ويحصل على أجزاء الحفرية، يبدأ فى لملمة الأجزاء وتركيبها كالميكانو ومواصلة البحث عن أجزائها الناقصة حتى تكتمل، كن مثله لا تسترح إلا إذا أكملت الناقص لكى تحس بقيمة ولذة اكتشافك.