نحن أمة هوايتها اغتيال ذاتها وحرمان نفسها من السعادة والنعمة والفرح ومباهج الحياة، حتى لو قدّمها العلم لها على طبق من ذهب!، فنحن نغنى لدود المقابر: خدوا عينى كلوا فيها وماتشوفوش يا مصريين بيها!!، ها نحن قد عدنا إلى نقطة الصفر، وأغلقنا بنوك العيون، ومنعنا الغلابة من زراعة القرنية، وبدلاً من أن تكون قوائم الانتظار فى مصر المنكوبة بعشرات الآلاف، صارت بمئات الآلاف والحمد لله على نعمة الحماقة!، كل هذا من أجل جهل نُقدسه، وخرافات ندافع عنها، وهستيريا نعيشها، وحياة نكرهها ولا ندافع عنها، أو نستمتع بها، ومقابر تشرع لنا، وجثث نذبح لها القرابين وأحياء نذبحهم راضين قانعين، بل فرحين مهللين، من أجل صراع ديوك إعلامى فى برامج توك شو نسهر معها حتى الفجر، لا هم لهم إلا التسخين وحصد اللايكات، واللهاث خلف الإعلانات، إعلام ليس فيه محرر علمى واحد يفهم التفاصيل، ويستطيع منح المعلومات للجمهور، من أجل التفاخر بنصب مقصلة يومية لأطباء مستشفيات جامعية فقيرة، يحاولون النفاذ من ثقب إبرة وسط هذا السيرك السيكوباتى المحتشد فيه السحرة والبهلوانات والقتلة والنصابون، والخاسر هو الغلبان فى النهاية، الذى لا حول له ولا قوة، ولا يملك من الحياة إلا الفتات، القرنية هى نسيج وليست عضواً، لذلك هى لم تدخل جدل وسفسطة مناقشات زراعة الأعضاء التى استهلكت ربع القرن من حياتنا، ولم يفعّل قانونها حتى هذه اللحظة، ذلك لأن أخذ نسيج القرنية من المتوفى مثله مثل قص الأظافر، يؤخذ بأسلوب جراحى دقيق، لإنقاذ مريض أعمى غلبان، لا يستطيع دفع عشرات الآلاف لاستيراد قرنية من الخارج وإجراء جراحة فى مستشفى خاص، تتميز القرنية، فضلاً عن أنها نسيج ليس به أوعية دموية، بأنها تؤخذ بعد الوفاة، وتوقف القلب تماماً، يعنى ببساطة لغط موت جذع المخ غير مطروح أصلاً، وزرعها هو أعلى معجزات عمليات الزرع قاطبة، وبها اقترب العلم من قصص المعجزات المقدّسة، تخيّلوا أعمى يبصر بعد العملية، أليست تلك معجزة منحها لنا العلم؟!، لكن نحن الذين ما زلنا نحكم من المقابر ونمارس الزومبى على أنفسنا ونأكل لحمنا مثل مرضى متلازمة ليش نيهان!، نحن ما زلنا نرفض هبات العلم، وأيضاً ما زلنا لا نفعل قوانيننا ونرفض كتابة موافق على التبرع على بطاقة الهوية أو رخصة القيادة، ما زلنا رافضين لهذا الإجراء البسيط، لأننا مجتمع الأيادى المرتعشة، الحل بشكل عام هو موافقة مستنيرة من أى مريض فى أى مستشفى جامعى على مضاعفات أى إجراء جراحى أو طبى، ولا يتهاون الطبيب فى ذلك، وبشكل خاص إضافة خانة موافق أو رافض للتبرع على رخصة القيادة، وللتعامل مع ثقافتنا التى تعانى من هلاوس وضلالات سماسرة الموت وكلاء السماء الحصريين، تلك الثقافة الرافضة للتبرع، إذا كتب الشخص بأنه رافض للتبرع لا بد أن يعرف جيداً أنه سيُحرم من مميزات الزرع فى المستقبل إذا احتاجه، نحن نصف أنفسنا دائماً بأننا شعب متدين بطبعه ومحب لعمل الخير، لكننا ننكشف على أرض الواقع، وقانون زرع الأعضاء ومن قبله زرع نسيج القرنية هو خير دليل على أنانيتنا المفرطة وتخبطنا الكريه وعشوائيتنا المزمنة، فما زلنا أكبر سوق لنخاسة البشر من خلال تجارة الأعضاء، والسبب غياب تفعيل قانون زرع الأعضاء من الموتى، نبيع أكبادنا و«كِلياتنا»، لقاء صرة مال، لأننا نعانى من ثقافة متدنية وجهل مسيطر وكراهية علم مزمنة ووسواس عبادة جثث قهرى، نفضل أن يلتهمنا دود المقبرة ونتلاشى فى ترابها، عن أن ننير الطريق لأعمى، أو ننقذ شاباً من غيبوبة كبد، أو نرحم سيدة مسكينة من رحلة غسيل كلى، ممزوجة بملح الدم، ومغموسة فى صديد القهر، هل هناك أمل فى أن نفيق من غيبوبة الخرافة ونزرع عقلاً فى الجمجمة يُقدّر قيمة الحياة، ويعرف أنها تستحق العيش والحلم والجهد والحكمة.