فى ظل الإحباط والاكتئاب، الذى شعرنا به مع منتخبنا القومى لكرة القدم بعد الخروج المهين من الدور الأول لكأس العالم، امتدت أيادى بنات مصر الناعمة لتربت على أكتافنا بحنان الأم المزروع فطرياً فى كل أنثى هى دوماً رحم الأمان حتى لوطنها الكبير، خرجت علينا السبّاحة فريدة عثمان بابتسامتها الجميلة لتهدينا ذهبية السباحة، وأطلت علينا نانسى طمان، بطلتنا الرشيقة لتهدينا ذهبية الجمباز، ولهثت أنفاسنا مع مضرب نور الشربينى الساحق الماحق، تتوجه قطرات عرقها المتلألئ لتضع فى أعناقنا طوق ياسمين انتصارها فى بطولة العالم للإسكواش، غنينا مع صلاح جاهين «البنات البنات ألطف الكائنات»، كنا نغنيها بألسنتنا، لا تتجاوز حناجرنا، عرفنا معناها اليوم، وعرفنا أن المبدع «جاهين» كان يمتلك البصيرة والنبوءة، إنه حتماً سيأتى اليوم الذى تمد فيه البنت المصرية طوق النجاة لتنقذ مصر من كآبة اليأس، حتماً ستنتفض «بهية» وتخرج كما فى نهاية فيلم «العصفور»، لتصرخ فى الجموع المنكسرة المنهزمة المأزومة، حنحارب، حنحارب كل ما هو قبيح ومؤلم ومحبط، حنحارب فقر الروح وفقر الفكر، حنحارب جدب البهجة وتصحّر الوجدان، وجهت فريدة ونانسى ونور رمح التحدى فى وجه تيارات الفاشية الظلامية التى طالما مسحت عقل مصر ومسخت روحه وصورت للبنت أن جسدها عبارة عن كتلة لحم مشتهى، عليه أن يستقبل كبت الفحول وعقدهم النفسية وعصابهم وازدواجيتهم ونفاقهم، خرجت كل منهن لتعلن للعالم أن الجسد طاقة روح ونافذة بهجة وأداة إنجاز وركيزة أمل ودعامة حلم، أن البنت ثورة لا عورة، أنها نور شمع لا ظلام قمع، فريدة تسبح، لا تلاطم الماء ولا تقاوم التيار فحسب، لكنها تلاطم الجهل وتقاوم التخلف أيضاً، «نانسى» لا تروض الجسد فقط، ولكنها تروض معه الضباع البشرية التى حولت مصر إلى سرادق عزاء ووكر خفافيش وكهف غربان، «نور» لا تضرب كرتها العنيدة فى الحائط الصلب الصلد، ولكنها تضرب معها كل أوهام التفوق الذكورى الساذج، الذى عاش فى أسطورة النصف إله، الذى يستخدم الجاريات المحظيات، لتدليك فحولته ودغدغة كبريائه وزغزغة غروره المزمن، علينا أن نفرح بهن، ونحتفل معهن بانتصاراتهن، ويا ليتنا نصل إلى هذا السر الأنثوى الغامض، الذى كشف عورة مجتمعنا فى لحظة فارقة، كنا قد ظننا فيها بأننا من الممكن أن نتجاوز كساحنا على كافة المستويات بساق واحدة اسمها الرجل، شكراً لتاء التأنيث على جرعة الأمل التى عالجتنا من إدمان الوهم.